الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وهي خمسة عشر حكمًا: الأول: في الكتاب: سرق مرة بعد مرة، قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى، ثم يده اليسرى، ثم رجله اليمنى. ووافقنا العلماء في تقديم اليد اليمنى؛ لقول أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: إن سرق السارق، فاقطعوا يمينه. ولأنها آلة السرقة، فيناسب إعدامها. والتثنية باليسرى قول الجماعة إلا عطاء، قال: اليد اليسرى؛ لقوله تعالى: (فاقطعوا أيديهما)؛ ولأنها آلة السرقة. لنا قوله - عليه السلام -: (إذا سرق السارق، فاقطعوا رجله). وقياساً على الحرابة، ولأن قطع يده تفويت منفعة الجنس، فلا تبقى له يد يأكل بها، ولا يتوضأ، ولا يدفع عن نفسه، فيصير كالهالك. والمراد بالآية: قطع يمين كل واحد من السارقة والسارق، بدليل أنه لا تقطع اليدان في المرة الأولى. وفي قراءة ابن مسعود: (فاقطعوا أيمانهما)، وهو إما قرآن أو تفسير، وإنما ذكر بلفظ الجمع؛ لأن كل مثنى أضيف إلى مثنى هو بعضه ليس في الجسد منه إلا واحد، ففيه ثلاث لغات: الإفراد، والتثنية، والجمع - وهو الأفصح - لئلا يجتمع تثنيتان في شيء واحد، كقوله تعالى: (فقد صغت قلوبكما)، وتعينت اليسرى في الرجلين؛ لقوله تعالى: (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)؛ ولأنه أرفق به لتعويضها بحسبه، ولو قطعت اليمنى تعذر المشي. وقال أحمد و(ح): لا تقطع إلا يد ورجل، فإن عاد، حبس. ووافقنا (ش) في قطع الأربع. وفي أبي داود قال - عليه السلام - في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله). احتجوا بأن عليا - رضي الله عنه - أتي برجل مقطوع اليد والرجل، قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتلته إذا وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة؟ بأي شيء يغتسل من جنابته؟ بأي شيء يقوم على حاجته؟ فرده للسجن أيامًا، ثم أخرجه، فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأول، وقال لهم مثل قوله الأول، فجلده جلدًا شديدًا، ثم أرسله؛ ولأن فيه تفويت للجنس، فلا يشرع كالقتل. والجواب عن الأول: أن قوله معارض بقول الصحابة، بل هم أرجح؛ لأن يد الله مع الجماعة. وعن الثاني: الفرق ببقاء الحياة والاغتذاء، والحواس، وأنواع التعبد بالصوم وغيره، فإن سرق ولا يمين له، أو له يمين شلاء، قطعت رجله اليسرى، (قاله مالك قياسًا على تقدم القطع)، ثم عرضتها، فقال امحها، وقال: تقطع يده اليسرى، وتأول قوله عز وجل: (فاقطعوا أيديهما). قال ابن القاسم: والأول أحب إلي، وإن سرق من لا يدين له ولا رجلين، أو أشل اليدين والرجلين، فاستهلكها وهو عديم، لم يقطع منه شيء، ولكن يضرب ويضمن قيمة السرقة، وإن سرق، وقد ذهبت من يمنى يديه أصبع: قطعت يده، كما لو قطع يمين رجل وإبهامه مقطوعة، فيقطع، وإن لم تبق منها إلا أصبع أو أصبعان: قطعت رجله اليسرى، وإن كانت يداه ورجلاه كلها كذلك، لم يقطع، وضرب وسجن، وضمن قيمة السرقة. قال ابن يونس: قال مالك: يحسم موضع القطع بالنار، وقاله الأئمة، لما روي: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بسارق سرق شملة، فقال: اقطعوه واحسموه. والقطع في اليدين من مفصل الكوع، وفي الرجلين من مفصل الكعبين، وكذلك الحرابة، وقاله الأئمة؛ لأنه الذي مضي به العمل، وعن علي - رضي الله عنه - من مقعد الشراك في الرجل؛ ليبقى عقبه يشمي عليه. وعن أبي مصعب: إن سرق الخامسة، قتل لحديث ليس بالثابت، ومقطوع أصبع من يده يقتص منها وفيها، وتلغى الأصابع. قال اللخمي: اختلف في خمسة مواضع: إن سرق ولا يمين له، أو شلاء، أو ذهبت منها أصبعان، أو قطعت الشمال مع وجود اليمنى، وإن سرق بعد قطع أطرافه، ومتى كان أعسر قطعت اليسرى مع وجود اليمنى؛ لأنها كاليمين له، فإن كانت اليمنى شلاء، قال أبو مصعب: تقطع الشلاء؛ لأنها التي يتناولها النص، وقال ابن وهب: تقطع إن كان ينتفع بها. وعلى هذا إن كان أعسر، قطعت اليمنى؛ لأنه ينتفع باليسرى، وإن ذهب أصبعان، قال: لا يقطع إلا رجله ويده اليسرى، وعنه: إن بقي أكثرها قطعت، فإن أخطأ الإمام، فقطع يسراه مع وجود اليمين، قال مالك: لا يقطع يمينه؛ لحصول المقصود، وقال عبد الملك: تقطع؛ لأن الخطأ لا يزيل الحد. وعقل الشمال في مال السلطان إن كان هو القاطع، وإلا ففي مال القاطع، (وإليه رجع مالك). وإذا قطعت اليسرى في سرقة، ثم سرق فعلى قول ابن القاسم، تقطع رجله اليمنى؛ ليكون من خلاف، وعن ابن نافع: رجله اليسرى، فإن دلس السارق باليسرى، فقطعت أجزأه، (قاله في الموازية). وعلى هذا تكون البداية باليمنى مستحبة، وعلى ما عند ابن حبيب: لا تجزئه، فعلى هذا يكون واجبًا؛ لأن فعل النبي - عليه السلام - وقع بيانًا للقرآن. وقد قال مالك: إن ذهبت اليمنى بعد السرقة بأمر سماوي أو جنابة، لا يقطع منه شيء؛ لتعين القطع لها وقد ذهبت. وعلى القول بإجزاء الشمال، لا يسقط القطع. وإن سرق، وقطع يمين رجل، قطع للسرقة، وسقط القصاص - وهو على القول بتعينها للقطع، وعلى القول بأن تبدئتها مستحبة، تقطع قصاصًا - وتقطع يسراه أو رجله للسرقة. فائدة: أنشد المعري: يد بخمس مئين عسجد فديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض مالنا إلا السكوت له فنستعيذ ببارينا من النار فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي - رضي الله عنه -: صيانة العضو أغلاها وأرخصها خيانة المال فافهم حكمة الباري نظائر: قال ابن بشير: الممحوات في المدونة أربعة: إذا ولدت الأضحية، فحسن أن يذبح ولدها معها، وإن أبى، لم أر ذلك عليه واجبًا، ثم عرضتها عليه، فقال: امحها واترك، إن ذبحه معها، فحسن. والحالف: لا يكسو امرأته، فافتك لها ثيابها من الراهن، حنث. والمريض لا يجوز نكاحه أو المريضة، ويفسخ إن دخلا، وكان يقول: ولا يثبت، وإن صحا، ثم قال: امحها. وأرى إذا صحا ثبت. ومن سرق ولا يمين له، أو له يمين شلاء قطعت رجله اليسرى، ثم عرضها عليه، فمحاها، فقال: تقطع يده اليسرى. وبالأول قال ابن القاسم: الثاني: في الكتاب: إن قام أجنبي بسرقة متاع الغائب، قطع (السارق؛ لأنه حق الله. وإن قال السارق: ربه أرسلني قطع)، وإن صدقه ربه، كان في البلد أم لا؛ لأن السبب المثبت لا بد له من سبب شرعي، وإلا سقط. وإن أخذ في جوف الليل معه متاع، فقال: فلان أرسلني آخذ له هذا، إن عرف انقطاعه إليه، وأشبه ما قال، لم يقطع، وإلا قطع. في التنبيهات: قيل: معناه أنه اعترف بالسرقة، وأخذه خفية، وإنما قطع بإقراره، ولو قال: دفعه إلي ما قطع، (قاله أبو عمران وغيره)، وقيل: إنما لم يقطع؛ لأنه لم تقم بينة وإلا قطع، وإن عرف انقطاعه إليه. وفي النكت: الفرق بين القائل: فلان أرسلني آخذ له هذا، وقد أخذ في جوف الليل، وبين القائل: فلان أرسلني، وقد سرقه: أن البينة عاينت سرقته ودخوله المنزل، بخلاف الأول، إنما وجد في جوف الليل، ولم تعاين سرقته، والأصل في هذا: أنه متى فعل فعل الرسول من فتح الباب، ونحوه مما يشبه فعل الآمر، لم يقطع، صدقه رب المال أم لا. (وإن فعل السارق من السور والنقب، قطع، صدقه رب المتاع أم لا)، قال اللخمي: كانت بينهما مخالطة أم لا، وكذلك إذا كان مثله لا يرسل لذلك ؛ لأنه معروف بالسرقة، وإن لم يقم دليل صدقه، ولا دليل كذبه وأشكل؛ لأنه لا خلطة بينهما، وليس معروفًا بالسرقة، ولا بالصلاح، فإن صدقه، لم يقطع؛ لأن التصديق مع الشك شبهة، وإن كذبه قطع، وإن قام دليل (كذبه، وصاحب البيت غائب، قطع، ولا ينتظر قدومه؛ لأنه لو صدقه، قطع، وإن قام دليل) حتى يقدم، فإن صدقه، وإلا قطع. والذي يؤخذ في جوف الليل بالمتاع، وقال: فلان أرسلني، فإن عرف بانقطاعه إليه لم يقطع، فأسقط الحد؛ لعدم البينة بالأخذ. واختلف في ثلاثة مواضع: هل يحلف إذا أكذبه؟ هل يسقط القطع إذا وجبت عليه اليمين، فنكل، وحلف السارق، واستحق المسروق؟ وهل يسقط إذا صدقه؟. ففي المدونة: يحلف المسروق منه: أنه ليس متاعه، ويقطع، فإن نكل، وحلف الآخر، وأخذ المتاع، لم يقطع، وفي بعض روايات المدونة: يقطع، وقيل لا يمين على المسروق منه، وقال أشهب: يحلف، فإن نكل، وحلف الآخر، وأخذ المتاع، لا يسقط القطع؛ لأنه أخذ سرًا. قال ابن القاسم: إن قال السارق: أودعتنيه، وصدقه، لم يسقط القطع، وقال ابن دينار: لا يقطع؛ لأنه شبهة، والأول أحسن: إلا أن يتنازعا قبل ذلك فيه، وإن نقب وكسر الباب، إلا أن يشبه، إلا أن يكون ذلك من أملاكه. وإن تقدمت الدعوى، وأكذبه المسروق منه، لم يحلفه، إلا أن يأتي السارق بما يشبه. وأرى أن يسأل: كيف صار إليه؟ فإن قال: أودعته، وهناك سبب يقتضي خروج متاعه من بيت، أو قال: غصبني، والآخذ صالح لذلك، أو قال: اشتراه ممن سرقه مني، وهو يعلم أنه متاعي، وهو يشبه أن يكون عنده من ذلك علم، صدق، وحلف، فإن نكل، حلف الآخر، واستحق، ولم يثبت القطع للشبهة. الثالث: في الكتاب: إذا لم يقم رب السرقة، وقد أخذها أم لا، لزم القطع؛ لتحقق السبب. ولا يعفو الوالي إذا انتهت إليه الحدود، وإن قال: ما سرق مني، وشهد بالسرقة، قطع، وإن قطع فيه، ثم سرقه ثانية، قطع أيضًا؛ لأن السبب فعله، لا المسروق. وإن قام بالسرقة أو الزنى الإمام، أقام الحد إذا ثبت ببينة؛ لأنه نائب الله، وهذه حقوق الله، بخلاف حد القذف؛ لأنه حق لآدمي، فلا بد من قيامه. ويشفع للسارق إذا كانت منه السرقة فلتة، ولم يبلغ الإمام أو الشرط أو الحرس؛ لما في الصحيحين: (أن صفوان شفع في سارق ردائه بإسقاطه حقه، فقال - عليه السلام -: هلا قبل هذا). وإذا ثبتت السرقة بالبينة، فقال: أحلفوه أن المتاع ليس لي، قطع، ويحلف الطالب ويأخذه، فإن نكل، حلف السارق وأخذه. في التنبيهات: وإذا أخذ السارق لم يقطع، ووقع في كثير من روايات المدونة. وحكى اللخمي في بعض الروايات في المدونة: يقطع، فإن صدقه، قطع عند ابن القاسم، خلاف ابن دينار. وعن ابن القاسم: لا يمين على صاحب المتاع، وهو أشبه بالأصول. الرابع: في الكتاب: إن سرق، وأخذ مكانه أو بعد ذلك، ويسره متصل، فقطع، وقد استهلك السرقة ضمنها، فإن كان معسرًا يوم قطعت يده، أو ذهب يسره، ثم قطع موسرًا، أو سرق معسرًا، أو قطع موسرًا، لم يضمن المستهلك، وإنما يضمن إذا تمادى اليسر إلى القطع، وضمنه (ش) وأحمد مطلقا، ولم يضمنه (ح) مطلقًا. ولا يجتمع القطع والغرم عنده، إن غرمها قبل القطع، سقط القطع، أو قطع قبل الغرم، سقط الغرم. وقال فيمن سرق مرات: يغرم الكل إلا الآخر؛ لأنه قطع بها. وقال أبو يوسف: قطع بالكل، فلا يغرم شيئا، وإن كانت العين قائمة، ردت اتفاقا. لنا على (ش): قوله تعالى: (فاقطعوا أيديهما)، فجعل حد القطع فرضًا، وجميع ما يترتب عليه القطع. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أقيم على السارق الحد فلا غرم)، خرجه النسائي. ولأن إتلاف المال لا يوجب عقوبتين. ولنا على الغرم مع اليسار على (ح): أن موجب القطع: حق الله تعالى، وموجب الغرم: الإتلاف، والأصل: ترتب المسببات على أسبابها، كالمحرم يتلف صيدًا مملوكًا، يلزمه الجزاء والقيمة. والفرق بين اليسار والإعسار: أن اتباع المعسر عقوبة له تشغل ذمته، والموسر لا عقوبة فيه؛ لجواز أنه باعها وعوضها في ماله، بل هو الراجح؛ لأن الأصل: عدم غرمها بالكلية، ولأنه وفر بها ماله، ولأنه جمع بين الأدلة، ومثله نفقة الزوجة. وقيمة الشقص إن اعتق لا يضمنان في الذمة، بل مع اليسار. احتج (ح) بما تقدم و(ش) بما تقدم. وقال ابن عبد البر: الحديث المتقدم ضعيف، ويحتمل حمله على أجرة القاطع. وفي المقدمات: لا يلزم إذا أيسر بعد العدم؛ لأن العدم أسقطها عنه. وفي المعونة: قال بعض شيوخنا: التغريم استحسان، والقياس: عدمه، وإلا ضمن مع الإعسار، قال: وهو قول غير (ح)؛ لأن (ح) يخير المالك في القطع، فلا غرم، أو الغرم، فلا قطع، وهذا يحتم القطع، وهذا كله إن كان المسروق نصابًا، فقطع فيه، وإلا ضمن مع اليسر والعسر اتفاقا. قال ابن يونس: إن قطعت يده وقد استهلكها، وبيده مال، فقال: أفدته بعد السرقة، وقال الطالب: قبل، صدق السارق، إلا أن يقوم عليه بالقرب من السرقة فيما لا يكون فيه كسب ولا ميراث، وإن استمر ملاؤه من السرقة إلى بعد القطع، قيل: يغرم، وقال أشهب: لا يغرم المعسر، وقال ابن القاسم: يتبع به دينا، وإن استهلكها وعليه دين وما بيده قدر الدين: فأهل الديون أحق من المسروق منه، وما فضل فله. قال اللخمي: يختلف في ثلاثة مسائل: إذا لم تثبت السرقة إلا بشاهد، وإذا لم تكن بينة، وقال: سرقت من غير حرز، (وقال المسروق منه: من حرز)، والثالث: أن تذهب يمينه بأمر من الله تعالى، فقال ابن القاسم: يتبع في الذمة، وإن كان معسرًا يوم سرق أو يوم الحد، ومنع أشهب؛ لأن المسروق منه يقر أن حكمه القطع، وأنه ظلم في امتناعه من القطع كما لو لم يقطع بعد ثبوت القطع حتى مات، فإنه لا يتبع. قال اللخمي: وهو يتبع على أصل قول ابن القاسم إذا مات. ولا يسقط الغرم، إلا النكال بالقطع، ومثله إذا أقر بالسرقة ثم رجع، سقط القطع دون الغرم عند ابن القاسم، ويقسط الأمران عند أشهب. وإذا باع السرقة، فأهلكها المشتري، فإن أجاز المسروق منه البيع، لم يتبع السارق بالثمن عند مالك، إلا أن يكون متصل اليسر من السرقة إلى القطع، وإن لم يجز، وأغرم المشتري القيمة، اتبع المشتري في العسر واليسر، فإن كان المشتري عديمًا، رجع المسروق منه على السارق؛ لأنه غريم غريمه، فإن كانت القيمة لزمت المشتري أقل من الثمن، (أخذ منه الثمن)؛ لأنه الذي لغريمه الذي عنده. ويتبع المشتري بفضل القيمة، وإن كان المشتري، باع السرقة، (أخذ منه الثمن الثاني، أو الثمن الأول. وفي الجواهر: يلزم الغرم إن استمر اليسر من السرقة) إلى القطع عند ابن القاسم، وعند أشهب إلى حين القيام إليه. وإن أعسر بعد القطع وقبل الغرم، اتبع عند ابن القاسم دون أشهب، وقيل: يتبع مطلقًا مع العسر واليسر، وقاله أبو إسحاق. وفي النوادر: إذا قطعت أربعته في سرقات أو غيرها، اتبع في عدمه عند ابن القاسم؛ لأنه لم يقطع، ولم يتبع عند أشهب؛ لأنه موضع قطع، وإنما تعذر كما لو مات قبل أن يقطع، وإن سرق فلم يقطع حتى زنى، فرجم بعد أن أيسر بعد العدم يوم السرقة. قال ابن القاسم: لا يتبع إن قطع؛ لدخول القطع في القتل. وإن سرق ثلاثة ثوبًا لرجل، فقطعوا ووجد منهم مليء، ضمن الجميع؛ لأنهم كالرجل الواحد. الخامس: في الكتاب: لا يحد السكران (حتى يصحو من السكر). قال اللخمي: ولا يجلد في حد، فإن أخطأ الإمام، فضربه وهو طافح لم يجزه؛ لعدم النكاية عند الغفلة، أو خفيف السكر، أجزأه، أو طافحًا، ذهب عنه ذلك بعد الضرب، احتسب بما ضرب من وقت الذهاب، إلا أن يضرب في الفرية برضا المقذوف، فيجزئه، وإن قطعه حال سكره، أجزأه، ولو قيل بقطعه حال سكره، اتجه؛ لأن ألم القطع يبقى بعد زوال السكر، بخلاف الضرب. السادس: في الكتاب: إذا باعها، فقطع ولا مال، فلربها أخذ قيمتها من المبتاع؛ لأنها عين ماله، ويتبع المبتاع السارق بالثمن، وإن توالدت الغنم عند المبتاع، (أخذها مع أولادها، فإن هلكت عند المبتاع) بسببه، أو باعها، غرم قيمتها، أو بأمر سماوي، فلا شيء عليه؛ لعدم العمد. وإن سرقه؛ فصبغه ثم قطع معدمًا، أعطيته قيمة الصبغ، وأخذت ثوبك، وإن امتنعت، بيع وأخذت عن الثوب قيمته يوم السرقة، والفاضل له وإن عجز عن الثمن لم يتبع لعدمه، فإن عمله بظهارة تحته فلك أخذه مقطوعًا، كما لو سرق خشبة وبنى عليها؛ لأنه عرض البناء للفساد، فإن أبيت من أخذه مقطوعًا، وهو عديم، فعلى ما تقدم في الصبغ. وإن طحن الحنطة سويقًا ولته، ثم قطع ولا مال له غيرها، وامتنعت من أخذ السويق فكما تقدم في الصبغ: يباع ويشترى لك من ثمنه مثل حنطتك؛ لأنها من ذوات الأمثال، بخلاف الثوب. وإن عمل الفضة حليًا، أو دراهم، وقطع، ولا مال له غيرها، فليس لك إلا وزن فضتك؛ لأنك إن أخذتها بغير شيء، ظلمته، فإن أخذها ودفع أجر الصياغة، فهو فضة بفضة وزيادة. وإن عمل النحاس قمقمًا، فعليه مثل وزنه، ولأنه مثلي. قال ابن يونس: قال محمد: إن أهلكها المبتاع، فعليه قيمتها، ويرجع على السارق بالأقل مما يدفع لصاحبها أو الثمن، وإن كان المشتري عديمًا اتبعه في الذمة، فإن أيسر السارق قبله، رجعت عليه بالأقل من القيمة يوم أهلكها المشتري، أو الثمن، أو قيمتها يوم سرقها، فإن كانت قيمته يوم الأكل أكثر، رجع على السارق؛ لأنه غريم الغريم للمشتري، وانظر إن أكلها وقيمتها يوم الأكل مثل الثمن، وقيمتها يوم السرقة أقل، لم يأخذ من السارق الثمن؛ لأنه غريم غريمه، وهو لو أخذ قيمتها من المشتري، فإن له على السارق الثمن. وفي الموازية: إن كان للسارق غرماء في مسألة الصبغ، فهم أحق بالثمن من صاحب الثوب، إلا أن يفضل منه شيء؛ لأنه أسلمه وفات بالبيع، وليس لربه نقض بيعه ولا أخذ ثمنه؛ لأنه بعد إسلامه بيع، وليس له هو ثمن سرقته بعينها، فإن قام فوجده مصبوغًا، فله أخذه ودفعه له قيمة الصبغ، (قاله ابن القاسم). وعنه: لا يأخذه بحال؛ لأن ذلك فوت، وخيره أشهب بين القيمة يوم السرقة يأخذها، أو يدفع قيمة الصبغ، ويأخذ ثوبه، أو يكون شريكًا بقيمته أبيض. وعنه: يأخذه مصبوغًا ولا شيء عليه في الصبغ. وإن غصب دارا فبيضها والسويق الملتوث، والخشبة تعمل بابًا، الفرق بينهما وبين الثوب يصبغ: أن الثوب قائم بعينه. وعن أشهب في النحاس يعمل قمقمًا، يخير ربه في أخذ القمقم، وإعطاء قيمة الصنعة، أو يغرمه مثل وزنه نحاسًا. قال سحنون: كل ما غير حتى صار له اسم غير اسمه، ليس لربه أخذه، بل قيمته أو مثله في المثليات. وقال عبد الملك في الفضة تعمل حليا، أو النحاس آنية، أو الثوب يصبغ أو يجعل ظهارة لجبة، أو الخشبة بابًا، أو الحنطة تطحن وكل ما أثر فيه، ولا يقدر على أخذ صنعته، إلا بالشركة، فلربه أخذه بالصنعة بغير غرم، نقضه ذلك أو زاده؛ لقوله - عليه السلام -: (ليس لعرق ظالم حق)، أو يضمنه القيمة، وكذلك الغصب. وإن سرق عصفرا لرجل، وثوبًا لآخر وصبغه بذلك، لم يقطع وله مال يوم السرقة لزمه قيمة الثوب، ومثل العصفر، وإن لم يكن له مال تحاصصا في ثمنها، هذا بقيمة ثوبه، والآخر بقيمة العصفر. والفرق عند ابن القاسم بين صبغ الثوب وبين النحاس قمقما: أن الثوب ليس مثليًا، ومثل النحاس يقوم مقامه. السابع: في الكتاب: إذا ثبتت السرقة، فقطع رجل يمينه، لم يقتص منه؛ لأنه عضو مستحق للقطع، ونكل لجرأته على الإمام، وأجزأ ذلك السارق، ولو فعل ذلك قبل عدالة البينة، فعدلت، كان كما تقدم، وإلا اقتص منه؛ لأن العضو معصوم، وإذا أمر القاضي بقطع اليمين، فغلط القاطع، فقطع يساره، أجزأه؛ لحصول النكال، ولا شيء على القاطع؛ لأنه كالحاكم، وإذا قطعت يمين السارق، فهو لكل سرقة تقدمت، أو قصاص، وجب في ذلك العضو، وكذلك الحدود. قال ابن يونس: إذا قطع رجل يده بعد ثبوت السرقة، عوقب للتعمد، ولا دية في الخطأ، وكذلك المحارب إذا قتل. ومسألة القاطع يغلط مروية عن علي - رضي الله عنه - وقال عبد الملك: خطأ الإمام لا يزيل قطع اليمنى، فتقطع، وعقل اليسرى في مال الإمام إن باشر، أو القاطع دون العاقلة، أو في مال المسروق منه إن قطع هو بغير أمر الإمام، وإن يمينه، عوقب هو فقط. وفي الجواهر: إذا بادر الجلاد، فقطع اليسرى عمدًا، اقتص منه، والحد باق، وكذلك لو فعل ذلك الإمام، ويجزئ في الغلط، ورجع مالك إلى عدم الإجزاء، وتقطع اليمنى والعقل في مال القاطع، وإذا فرعنا على الأول، ثم سرق، قطعت رجله اليمنى عند ابن القاسم، واليسرى عند ابن نافع. الثامن: في الكتاب: إن ولا مال له إلا قيمة السرقة فغرمها، ثم قام قوم سرق منهم (مثل ذلك، فإن كان من وقت أن سرق منهم) مليًا بمثل الذي غرم الآن تحاصوا، أو أعدم، ثم أيسر، فكل سرقة سرق من يوم يسره المتصل إلى الآن، تحاصص بها في ذلك دون ما قبلها؛ لأن العدم أسقطها، وإن لم يحضروا يوم القطع كلهم، فللغائب الدخول عليهم، كغرماء المفلس. قال ابن يونس: إن سرق لرجلين أحدهما غائب، قضي للحاضر بنصف قيمتها إن كانت مستهلكة، فإن قدم الغائب، والسارق عديم، وكان يوم القطع مليًا بقيمة الجميع، رجع على شريكه بنصف ما أخذ، ولا يتبع السارق بشيء، كالدين لكما على رجل من شركة، يقبض أحدكما حصته وصاحبه غائب، والفرق بينها وبين الكفالة إذا قضي للشريك بحقه، والغريم مليء بحقهما، فيقدم الغائب، لا يدخل على شريكه، أن السارق لم يأمنه المسروق منه على بقاء ما وجب له في ذمته، وكان يجب أن القاضي يوقف نصيب الآخر، فلما غلط، صارت قسمة غير جائزة. وفي مسألة الكفالة: صاحب الدين هو الذي ائتمن الغريم على بقاء دينه في ذمته، فالقسمة جائزة بلا رجوع للغائب على القابض إذا حكم له القاضي بقبض نصيبه. وأبى أبو محمد أن يكون معنى مسألة السرقة: أنه قبض حصته بغير حكم حاكم، قيل له: قد مثلها بالدين، فقال: إنه مثلها به؛ ليفهم أن للشريك الدخول. التاسع: في الكتاب: إذا خيف عليه الموت من الحد؛ لحر، أو برد، أو خوف. قال ابن يونس: قال مالك: يقطع في شدة الحر؛ لأنه ليس بمتلف، وإن كان فيه بعض الخوف؛ لأنه حق لزمه وإن مات فيه، وإنما يتعاهد في البرد. قال محمد: يقطع المحارب في البرد الشديد، بخلاف السرقة؛ لأن الإمام لو قتله جاز. العاشر: في الكتاب: إن سرق وقتل عمدًا، كفر القتل، فإن عفا الولي، قطع، وإن سرق وقطع يمين رجل، قطع لسرقة فقط؛ لتعذر العفو فيها، ولا شيء للمقطوع يده، كما لو ذهبت يد القاطع بأمر سماوي، أو سرق وقطع يسار رجل، قطع يمينه للسرقة، ويساره للقصاص؛ لإمكان الجمع، وللإمام جمع ذلك عليه، وتفريقه بقدر الخوف عليه، وكذلك الحد والتعزير. وإن اجتمع حد الله تعالى وحد العباد، بدئ بحد الله تعالى؛ لتعذر العفو فيه، فإن عاش حُد حَد العباد، وإن مات بطل ذلك، ويجمع الإمام ذلك عليه أو يفرقه بحسب الخوف عليه. قال اللخمي: إن كانا له، قدم أكثرهما، كحد الزنا مع الشرب، إلا أن يخاف عليه في المائة، فيحد للخمر، فإن ضعفت البنية عن الحد والواحد، ضرب المأمون، ثم يستكمل وقتًا بعد وقت، فإن فرغ جلد الزنا، جلد للخمر. وإن كانا للعباد نحو قطع هذا وقذف هذا: اقترعا، فإن كان يقدر على أحدهما دون الآخر، أقيم عليه الأدنى من غير قرعة. ويقدم حق الله تعالى، إلا أن يقدر على حق الآدمي فقط، فيقام، وأخر حق الله تعالى لوقت الأمن، فإن خيف منه دائمًا بدئ به مفرقًا، ثم حق الآدمي. قال الطرطوشي: إذا اجتمع قتل في حرابة أو غيرها، وقود، قدم حق الله تعالى. وتظهر فائدة ذلك أنه لا ينتظر في القتل حضور الولي، وأنه يقتل بالحجارة في الزنا، وبالسيف في الردة، وقد يكون قتل الآدمي بالحجارة، أما لو قطع في السرقة، ثم قطع يمين رجل فعليه دية اليد؛ لأنه يوم قطعها، لم يكن له يمين، بخلاف ما تقدم. ومتى اجتمعت الحدود كلها مع القتل، سقطت بالقتل، إلا القذف، فإنه يجلد، ثم يقتل. وقال (ش) و(ح): حق الآدمي مقدم. لنا: أن حق الله تعالى أقوى؛ لتعذر العفو، ولأنه قد يتغلظ، كالقتل بالحجارة في الزنا. وعلى أصل (ح): لا قصاص إلا بالسيف، وينكل المرتد، ويمثل به بخلاف القصاص. واحتجوا بأن حق الآدمي أقوى؛ لأن حق الله تعالى يسقط بالشبهة، وبرجوع المقر، وبالتوبة قبل القدرة في الحرابة، ولو كانت عليه زكاة، وكفارة، وحج، قدم دين الآدمي على الحج، ويرث الوارث في حقوق الله دون حق الآدمي. وحق الله تعالى يسقط بالعفو من مالكه، ويظهر ذلك في الدار الآخرة. والجواب: أنا إنما رجحنا بين حقوق وجبت، أما مع الشبهة فلم يجب شيء. وكذلك الرجوع عن الإقرار، ثم ما ذكرتموه دليل القوة؛ لأنه كلما كثرت شروط الشيء كان أقوى؛ لأن الزنا أقوى من الثبوت من القتل؛ لاشتراط أربعة عدول، والنكاح أقوى من البيع؛ لاشتراط الولي، والشهود، والصداق، فاشتراط عدم الشبهة. وعدم رجوع المقر دليل القوة، وأما العفو في الآخرة، فلا مدخل له، لأنا إنما تكملنا في القوة في حال الدنيا، على أن حقوق العباد قد تسقط بالشبهة؛ لأن عمد الخطأ لا قود فيه عندكم وعندنا في إحدى الرواتين، وقتل الابن لأبيه. وأما الزكاة فالدين يسقطها عن العين، وهي في المناسبة مقدمة على دين الآدمي. والكفارات لها أبدال إن كان فقيرًا يعوضه الصوم. وأما الميراث فمشترك؛ لأن الوصية والتدبير لا تمنع ملك الوارث، مع أنا إذا علمنا أن الزكاة عليه لم يفرط في إخراجها، قدمت على الميراث، مثل أن يقدم عليه مال لم تؤد زكاته، أو يموت صبيحة الفطر. وأما الحج، فمتعلق بالبدن لا بالمال، فسقط كما يسقط بعجز البدن في الحياة. الحادي عشر: في الكتاب: إذا سرق فقطع فيه، ثم سرقة ثانية، قطع أيضًا، وقاله (ش)، وقال (ح): إن سرقة من المالك الأول، لم يقطع، وإلا فعندهم قولان. وأصل المسألة: النظر إلى تعدد الفعل، أو إيجاد محله، فالقطع - عندنا - مثاله: السرقة: وهي الإخراج، وعنده: مثاله المسروق، وهذا إذا قطع عندهم، لم يغرم، وإذا غرمها، لم يقطع. لنا: العمومات المتقدمة، والقياس على المرة الأولى، كما لو تكرر الزنا على المرأة، أو بالقياس على الغزل يقطع فيه، فرده ينسج، فسرقه فإنه يقطع. احتجوا بأنه لو قطع؛ لساوي تكرر الزنا في المرأة، ولا يساويه؛ لأن الزنا لا يتعلق باستيفاء المنفعة، والمنفعة الثانية عين الأولى، والقطع بالعين وهي متحدة، ولأن الفعل والعين يعتبران؛ لأنه لو فعل في دون النصاب، لم يقطع، أو سرق نصابين بفعل واحد، فقطع واحد؛ لعدم تعدد الفعل، وإن كان لا بد منهما، وقد تعذرت العين، فبطل القطع؛ ولأنها عين يقطع فيها، فلا يتكرر فيها بتكرر السبب، كالقذف. والجواب عن الأول: أن سبب القطع - عندنا - تكرر الفعل بشروطه لا العين. وعن الثاني: أن العين معتبرة في الفعل، في كونه نصابًا مع بقية الشروط، أما اعتبار كونها لم تسرق، قبل فهو محل النزاع. وعن الثالث: أنه إذا قذفه بعد الحد، تكرر الحد، كالسرقة، فهذا فرق. تمهيد: الأصل: تفاوت العقوبات بقدر تفاوت الجنايات، بدليل الزنا، مائة، والقذف: ثمانون، والسرقة: القطع، والحرابة، القتل، وأنواع التعازير، ونظائر كثيرة. وقد استثنى من ذلك أمور، فسوى الشرع بين سرقة ربع دينار، وآلاف الدنانير، وشارب قطرة خمر، وشارب الكثير - في الحد، مع تفاوت مفاسدها جدًا. وعقوبة الحر والعبد سواء، مع أن جريمة الحر أعظم، لجلالة مقداره، بدليل رجم المحصن دون البكر؛ لعظم مقداره، مع أن العبيد إنما ساووا الحر في السرقة والحرابة، لتعذر التبعيض، بخلاف الجلد. واستوى الجرح اللطيف الساري للنفس، والعظيم في القصاص، مع تفاوتهما، وقتل الرجل الصالح البطل العالم، والصغير الوضيع. الثاني عشر: في النوادر: إذا سرق ثم رده لحرزه، قطع لتحقيق السبب. الثالث عشر: قال: إن سرق ببلد فوجد ببلد آخر، ليس لربه أخذه إلا ببلد السرقة، إلا أن يتراضيًا على ما يجوز في السلف، كما تقدم في الغصب، وكذلك المثلي. فالمالك له مثله لا قيمته. وخيره أشهب. الرابع عشر: قال: إن صالحته قبل الوصول للإمام، ثم رفعته، رجع بما صالحته به إن كان الصلح على الرفع، فإن كان على المال فلا، (قاله ابن القاسم). وإن ادعيت عليه، وصالحته على الإنكار، فأقر غيره بالسرقة، قطع المقر، ورجع عليه المنكر بما صالح به، وإن كان عديمًا لا يتبع، ولا يرجع المنكر على المطالب؛ لأن الثاني أقر، وإن كان عديمًا، فرجع عن إقراره قبل القطع، سقط الحد، واتبعه المنكر بما صالح به. والمسروق بقيمة سرقته، وإن أقر لك وأنت ذاهب به للإمام، أو صالحته، ثم رجع عن الإقرار والصلح، وقال: خفت السلطان. قال أصبغ: إن كان السلطان تخشى بوادره، لم يلزمه، أو مأمون ألزمه. الخامس عشر: قال: قال مالك: إن طلب السارق، فامتنع، فقاتل، فذهبت نفسه، فهو هدر. قال محمد: إن هرب، فرميته؛ لترهبه، فمات، فعقله على العاقلة، وإن تعمد قتله، قتل به، وإن رماه له؛ ليوهنه، فمات فعليه العقل، وإن قتله في داره، وعلم أنه قاتله، فقتله، قتل به؛ لما في الحديث في الرجل يجد مع امرأته رجلا إن قتله، قتلتموه (الحديث)، وإن خرج وقاتلك والمتاع معه، فقتل، قال أصبغ: هو هدر، ولا دية، وإن لم يكن معه المتاع، وإنما يطلب النجاة، ففيه الدية إن قتل بموضع سرق، وإلا فالقود؛ لأنه لا متاع معه، ولا هو موضع يخاف من شره، وإن أمرته، فقتله ففيه القود، معه متاع، أم لا. وهو شرب القطرة مما يسكر كثيره اختيارًا من مكلف مسلم. وقد تقدم في كتاب الأشربة (أكثر فقها) ونذكر هاهنا ما يتعلق بالحد. وفيه خمس مسائل: الأولى: في الكتاب: من شرب خمرًا، أو نبيذًا مسكرًا وإن قتل، سكر أم لا، حد ثمانين جلدة، أو شهدت عليه بينة أن به رائحة الخمر (عصير عنب، أو زبيب، أو نبيذ، أو تمر، أو تين، أو حنطة، أو الأسكركة) قيل: أو يجعل خبز في نبيذ يومين، قال: كرهه مالك في قوله الآخر، في التنبيهات: الأسكركة، بضم الهمزة، وسكون السين، وضم الكاف الأولى، وفتح الثانية، وبينهما راء ساكنة، وضبطناه أيضًا بالسين المضمومة؛ هو شراب الذرة، والجذيذة، بجيم مفتوحة، وذالان معجمان أولهما مكسورة، بينهما ياء ساكنة، هو السويق، والجذاذ: التقطيع، قال الله تعالى: (فجعلهم جذاذًا)، والبسر المذنب الذي أرطب بعضه من جهة ذنبه؛ فإن أرطب من جانبه فهو فوكة، وفي النكت: إن شهد اثنان أن الذي به رائحة خمر، (واثنان أنها ليست رائحة؛ حد، كقوله في كتاب السرقة: إذا اختلف المعولون. قال ابن يونس: الأسكركة): شراب القمح. الثانية، وفي الجواهر: يحد حديث العهد بالإسلام وإن لم يعلم التحريم، قال مالك وأصحابه: إلا ابن وهب قال: في البدوي الذي لم يقرأ الكتاب ويجهل: هذا لا يحد. لنا: أن الإسلام قد فشا فلا يجهل ذلك، فإن علم التحريم وجهل الحد، حد اتفاقًا، ولا حد على الحربي، والذمي، والمجنون، والصبي، ومن تأول في المسكر من غير الخمر، ورأى حل قليله حد، قاله القاضي أبو الوليد؛ ولعل هذا في غير المجتهد العالم، أما المجتهد العالم فلا حد إلا أن يسكر، وقد جالس مالك سفيان الثوري وغيره من الأئمة ممن يرى شرب النبيذ مباحًا فما دعا للحد، مع تظاهرهم بشربه، ومناظرتهم عليه. تمهيد، قال مالك: أحد الحنفي في قليل من النبيذ، ولا أقبل شهادته، وقال (ش): أحده وأقبل شهادته، أما مالك؛ فبنى على أن الفروع قسمان: ما ينقض فيه قضاء القاضي ولا ينقض، فينقض في أربعة: ما خالف الإجماع، أو القواعد؛ كالشرحيه في الطلاق، أو القياس الجلي، أو النص الواضح كالنبيذ؛ فإن النصوص متضافرة بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، والقياس على الخمر جلي، وما ينقض فيه قضاء القاضي لا يصح التقليد فيه، ولا يثبت حكما شرعيًا؛ لأن ما لا نقره إذا تأكد بقضاء القاضي، لا نقره إذا لم يتأكد، فلذلك رددنا شهادته، وأبطلنا التقليد، وأما (ش): فأثبت التقليد بانتفاء العصيان، وأقام الحد، لأن العقوبات لدرء المفاسد لا للمخالفات؛ بدليل تأديب الصبيان والبهائم استصلاحا لها من غير عصيان، ويرد عليه أن ذلك يسلم في غير الحدود من العقوبات، أما الحدود بعدد فلم نعهده في الشرع إلا في معصية، ولا يحد المكره، ولا المضطر لإساغه الغصة، لأنه مباح حينئذ لإحياء النفس. الثالثة، قال: يحرم التداوي بالخمر والنجاسات، وأما الدواء الذي فيه خمر تردد فيه علماؤنا، وقال القاضي أبو بكر: والصحيح: التحريم؛ لقوله عليه السلام: (إنها ليست بدواء ولكنها داء). الرابعة: قال: إن ظنه غير مسكر؛ شرابًا آخر لم يحد وإن سكر، كما لو وطء أجنبية يظنها امرأته؛ لا يحد. الخامسة، قال: لا يحد حتى يثبت الموجب عند الحاكم بشهادة رجلين، أو إقرار، أو شهد بالرائحة من يتيقنها ممن كان شربها حال كفره أو فسقه، ثم انتقل للعدالة، وقد يعرف الشيء إذا الرائحة كالزيت والبان وغيرهما ، ولولا ذلك لم يحد سكران؛ إذ لعله سكران من علة، وقد حكم به عمر رضي الله عنه، وقبل فيه شهادة العدول، وهو قول عائشة وابن مسعود، ويكفي في الشهادة أن يقول: شرب مسكرًا، قال ابن يونس: ولا بد في الشهادة على الرائحة من شاهدين، ولا يكفي الواحد إلا أن يقيمه الحاكم فيصير كالترجمان، وغيره يقبل وحده، قاله أصبغ، وفي النوادر: وإن أشكلت الرائحة على الإمام وهو حسن الحال؛ تركه، (أو سيء الحال أستقرأه ما لا يغلط في مثله مما يصلي به من المفصل، فإن اعتدلت قراءته؛ تترك) وإلا حده، وإن شك في ذلك وهو من أهل التهم؛ حد فيه للتهمة، وعن مالك: إن شك في الرائحة أهو مسكر أو غيره؟ أو أخذ على مشربة ولم يسكر، ولم يعرف ما ينبذهم وهو معتاد لذلك؛ ضرب سبعين ونحوها، وإن لم يكن معتادًا بخمسين ونحوها، عبدًا كان أو حرًا؛ لأنه تغرير، ويعاقب من حضر المشارب وإن قال: أنا صائم، قال ابن القاسم: ويختبر الإمام السكران بالرائحة وغيرها؛ لأنه حد انتهى إليه، قال أصبغ: إن ظهرت أمارات السكر وإلا لم يتجسس عليه، وإن شهد عليه بغير الخمر حده، وفعله عمر رضي الله عنه، وقالته عائشة وغيرها؛ لأن الأصل: عدم الإكراه، قال ابن القاسم: إن شهد أحدهما أنه شرب خمرًا، والآخر أنه شرب نبيذًا مسكرًا؛ حد لاجتماعهما على أصل السبب، فإن شهدت البينة فحلف بالطلاق ما شرب، حد ولا يطلق عليه، وخالفه الأئمة في الرائحة فلم يحدوا بتحققها؛ لأنه قد يتمضمض بالخمر للدواء ويطرحها، أو يظنها غير خمر، فلما حصلت في فيه طرحها، أو كان مكرهًا، أو أكل نبقًا بالغًا، أو شرب شراب التفاح؛ فإن رائحته تشبه رائحة الخمر، وإذا احتمل فالحد يدرأ بالشبهة، والجواب: أن الأصل: عدم الإكراه، وإن الشرب أكثر من المضمضة وغيرها، والكلام حيث تيقنًا أنه ريح خمر، لا تفاح ولا نبق. وفي الكتاب: وهو ثمانون جلدة، وتتشطر بالرق، ووافقنا ح، وأحمد، وقال ش: أربعون؛ وللإمام أن يزيد عليه تعزيزًا، لنا: أن النبي عليه السلام ضرب في الخمر بالنعلين، فلما كان في زمان عمر رضي الله عنه جعل مكان كل نعل سوطًا. وفي الدارقطني: لما ولي عمر رضي الله عنه استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن: اجعله أخف الحدود: ثمانين، وقال علي في المشورة: إذا سكر هذي، وإذا هذى افترى؛ فحدوه حد المفتري، ولم ينكر أحد؛ فكان إجماعًا، وروى ابن سعد عن ابن عباس: حد الخمر ثمانون؛ ولأنه حد العبد فلا يكون حد للحر، كالخمسين؛ ولأنها جناية على العقل، مضيعة لمصالح الدارين، فلا تقصر عن القذف الخاص بشخص واحد؛ ولأن الزائد على الأربعين يجوز كالمائة فيكون حدًا، وإلا لم يجد كالزيادة على المائة في الزنا، والثمانين في القذف. احتجوا بما في مسلم: أن عليا في زمان عثمان رضي الله عنهما جلد الوليد بن عقبة أربعين بأمر عثمان، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة؛ ولأنه حد لجريمة فتختص بعدد لا يشارك فيه، كالزنا، والقذف. والجواب عن الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضرب على وجه التحديد؛ وإلا لما خالفته الصحابة رضي الله عنهم، بل وكله للاجتهاد، وما ذكرناه راجح في الاجتهاد لما تقدم. وعن الثاني: بالقلب فنقول: فوجب أن لا يختص بأربعين كالزنا والقذف. تفريع، في الجواهر وكيفية الجلد: ضرب بين ضربين؛ بسوط بين سوطين، في زمان بين زمانين، في الحر والبرد، ويضرب قاعدًا، ولا يربط، ولا يمد، ويخلى له يداه، ويضرب على الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء، وتضرب المرأة قاعدة، وعليها ما يسترها ولا يقيها الضرب، واستحسن أن تقعد في قفة، والمستند تقدم بيانه في الحدود، ويوالي بين الضرب، ولا يفرق على الأيام حتى تحصل الحكمة بالنهاية إلا أن يخشى من تواليه هلاكه، ولا يجلد حال سكره حتى يدرك الألم، ولا المريض إن خيف عليه، ويؤخر للبرد، في النوادر - ورواه أشهب -: أن مدمن الخمر يحد ويلزم السجن إذا كان خليعًا، وقد فعله عامر بن الزبير بابن له، قال مالك: إن أخذ في الأسواق أدى الناس يوصل به إلى المائتين، ويعلن ذلك، ويشهر بذلك حاله، ويقام الحد في الحرم: ويختار للضرب الرجل العدل لا القوي ولا الضعيف، ويضرب قدام القاضي احتياطًا، ويطاف بالفاسق المدمن، ويعلن أمره ويفضح، قال ابن القاسم: وضرب المرأة دون الرجال، ويجلد السيد عبده؛ إذا شهد عدلان عنده، ويحضر لجلد رجلين [....] أن يعتق ثم يقذف، وقد تقدم [...] تقيم المرأة الحد على مماليكها، وإن ادعت المرأة الحمل أخرجت حتى يتبين أمرها، والشارب في رمضان جلد وعزر للشهر، قال مالك: قال محمد: وإن رأيت معلنًا رفعته للإمام، ويستر على صاحب الزلة، قال مالك: إن رأيت جارك على ذلك تقدم إليه وأنهه؛ فإن لم ينته ارفعه للإمام، وإن دعي الإمام لبيت فيه فسق أجاب إن كان تقدم إليهم في النهي وإلا فلا، وإن كان مع الإمام رجلان فرأوا حدًا لم يسعه الستر؛ لأنه ثبت حينئذ عنده، وإن كان واحدًا فله ستره ما لم يكن معلنًا فيرفعه لمن فوقه؛ فإن أنهي إليه أن فلانًا سكران، أو على حد ولم تصح عنده أو بحضرته، فلا يرسل خلفه إلا المعلن، وإن بلغه أن في بيت فلان - وهو مشهور بالفسق - كشفه وتعاهده، ذكر عنه أم لا، وله نقله في مكانه، وتشريده، وغير المشهور ولا يكشفه. والنظر في الفعل ومراتبه، ويندرج في جنايات العبيد، ثم في دفع الصائل، ثم في إفساد البهائم؛ فذلك ثلاثة أنظار. وفي الكتاب: إن قتل عبد رجلا له وليان فعفا احدهما عن العبد على أن يأخذ جميعه ويعتني السيد؛ فإن دفع السيد لأخيه نصف الدية، تم فعله؛ لعدم المطالبة، وإلا خير بين كون العبد بينهما أو يرده؛ فإن رده فلهما القتل، والعفو، وإن عفوا خير السيد بين إسلامه أو فدائه منهما بالدية؛ لقول عليه السلام: (العبد فيما جنى)، وعنه أيضًا: الدخول مع أخيه، فيكون العبد بينهما لشركتهما في الدم، وكذلك إن عفا أحدهما على أن يأخذ القاتل وزيادة عبد؛ فإن السيد لغير العافي نصف الدية، ثم فعله، وإلا دفع العافي لأخيه نصف القاتل وحده ويتم فعله؛ فإن أبى رد العبدين (وقتلا القاتل إن أحبا لاشتراكهما في الدم، وقيل: (يدخل مع قتله في العبدين)؛ لأنهما ثمن الدم الذي لهما. في التنبيهات: العبيد عندنا ذكور هم وإناثهم بينهم في القصاص كالأحرار، بينهم ملكهم واحد أم لا لتساويهم، وقال بعض الناس: إن كانوا لواحد فلا؛ لأنه مضاعفة ضرر الناس على السيد، كما لا يقطع العبد في مال سيده، ومع الأحرار من يقطع في الجراح دون النفس فيقتل العبد بالحر إن رضي الولي، ولا يقتل الحر به لعدم التساوي، قال ابن يونس: قال ابن أبي مسلمة: يقاد للحر من العبد في الجراح إن رضي الحر، ولا يقاد له من الحر وإن رضي الحر، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن قتل العبد رجلا عمدًا؛ إن شاء الولي قتله أو استحياؤه يكون عبدًا له، وإن قال أحد الوليين: إنما عفوت؛ ليكون لي نصفه، لم يصدق إلا بدليل، فيكون العبد بينهما إلا أن يفديه السيد بجميع الدية، وله فداء نصفه بنصفها من أحدهما، وإسلام نصفه للآخر، وإن عفوت عن عبد قتل عمدًا بقي لمولاه؛ إلا أن يشترط رقه فيخير السيد في فدائه أو إسلامه، أو قتل خطأ، وقيمته ثلث تركة القتيل جاز عفوه؛ لأن الذي يجب له في الدية العبد إلا أن يفديه سيده، فلما عفا صار كأنه أوصى به لسيده؛ فإن كانت قيمته مائة، والتركة مائتان جاز، أو التركة بمائة، فلسيد العبد ثلثاه، ويخير في فداء الثلث بثلث الدية أو إسلامه، وقيل: إنما يكون في الثلث الأقل من قيمته أو الدية؛ لأن السيد لما كان مقدمًا على المجني عليه في أن يسلم له العبد أو يفديه بالدية؛ كان الواجب له في الدية أحدهما، وبه أوصى له فيجعل في الثلث الأقل من قيمة الرقبة، أو قيمة الكتابة، وقيل: هذا لا يخالفه ابن القاسم، وهو وظاهره يخالفه؛ فإن قتله خطأً وأوصى أن يعفي عنه، ويرد لسيده، ولا مال له، ولم يخير للورثة، قال أشهب: يخير سيده في فداء جميعه بثلثي الدية؛ لأن ثلثها عنه سقط بالوصية، أو يسلم جميعه بثلثي الدية؛ لأن اللازم في الجناية التخيير لا شيء يتعلق بالذمة، كما لو جرح عبدك حرًا ديته مائة، فطرح عندك خمسين، فلك فداء جميعه بخمسين، أو تسلم جميعه بالخمسين، وكالرهن يضع المرتهن بعض حقه بجميع الرهن بما بقي، وقال أصبغ: ليس للورثة إلا ثلث أو ثلثي الدية، وإن شاء سيده اسلم ثلثيه أو أفتكهما بثلثي الدية، وثلث العبد لسيده بالوصية؛ أسلم بقيته أو فداه، بخلاف المجروح؛ فإنه كالرهن، قال اللخمي: إنما كان للأول العود للقتل بعد تقدم الصلح؛ لأنه إنما سقط القتل فيكون جميع العبد له، فلما استحق نصفه ولم تكن هناك ذمة يتبعها عاد للقتل بخلاف القاتل حرًا للولي، ذمة يتبعها إذا استحق نصف ما صالح به، وإن أسلم بخلاف القاتل السيد العبد على إن لم يجد الغائب دفع للحاضر نصف قيمة العبد، لم يكن الأول إن لم يجد الثاني؛ لأن له ذمة يتبعها. فرع: في الكتاب: إذا أعتقه بعد علمك بقتله لرجل خطأً، وأردت حمل الجناية فذلك لك، أو قلت: ظننت أنها تلزم ذمه، حلفت على ذلك، ورد عتقه لتعلق حق الجناية برقبته، وكذلك إن جرح الحر وحلفت، وإن كان للعبد مال مثل الجناية أو وجد معينًا على أدائها نفذ العتق، وإلا بيع منه بقدرها وعتق الفاضل، وإن كان لا فضل فيه أسلم لأهل الجناية، (وإن باعه بعد علمه بالجناية) حلف: ما أراد الحمل ثم دفع الأرش لأهل الجناية، وإن باعه بعد علمه بالجناية حلف ما أراد، وإلا فلهم إجازة البيع وقبض الثمن وفسخه، وأخذ العبد؛ لتعلق الجناية به، قال غيره: إلا إن يشاء المبتاع دفع الأرش لا يهم، فذلك لهم؛ لأنه حقهم، ويرجع على البائع بالأقل بما أفتكه أو الثمن؛ لأن كليهما متعلق بالسيد، فإن أفتكه البائع للمبتاع رده بهذا العيب إلا أن يبينه البائع له، وقال غيره: هذا في العمد، وأما في الخطأ فلا، وهو كعيب ذهب، في التنبيهات: للسيد ثلاثة أحوال:الأول: إن علم الجناية والحكم أسلم في العتق المجني عليه رقيقًا، أو يفديه ويمضي عتقه، وفي البيع إن أعطى الجناية مضى البيع وإلا رده. الثاني: أو يعلم الجناية ويجهل أنه ليس له عتقه ولا بيعه إلا بعد تحمل الجناية؛ فيحلف: ما أراد التحمل، ويكون له من الخيار، وللأولياء في البيع ما تقدم. الثالث: لا يعلم الجناية ولا منعة عن البيع والعتق؛ فقولان: أحدهما: رضي بالتحمل فيمضي عليه البيع والعتق. وثانيهما: أنه ليس يرضي ويحلف: ما أراد التحمل لكن يحلف وصفة أيمانه؛ أن يحلف في الوجه الثاني بعد جهل ذلك. وفي الثالث: ما أراد تحمل ذلك، وإنما يستحلف في كل هذا إذا كان له مال؛ قاله محمد. وقد يقال: يستحلف على كل حال إذا رضي باتباعه،وكذلك إن وطء بعد الجناية،فحملت في الوجوه الثلاثة، لكن إن لم يعلم وهو مليء فعليه الأقل من قيمتها، أو أرش الجناية، فإن كان عديمًا أخذها أهل الجناية، فإن علم قال في الكتاب: لزمه أرش الجناية إن كان له مال؛ لأن ذلك منه رضا بتحمل الجناية، وقال محمد: إذا حلف أنه لم يرض بحملها فعليه الأقل، وعليه هذا التفصيل؛ والخلاف في العلم، وإن لم يكن له مال أخذها أهل الجناية؛ فإن لم تحمل لا يكون وطؤه رضا بالجناية، قاله أبو عمران، وفي النكت: إذا بيع وافتكه المشتري ورجع، فلأصل إن افتكه بأقل من الثمن فعهدته على البائع، أو بمثل الثمن فأكثر، فعهدة المشتري على أهل الجناية؛ لأن في الأولى بقي للبائع فضل، وهو قد رضي بتمام البيع، بخلاف غير ذلك، وقوله: للمشتري الرد بالعيب في العمد؛ يريد: جناية عمد في المال إلا أن يبين أما في القصاص بقدر لا ينفع البيان؛ لأنه لا يدري أيقتص منه أو لا، وقوله: يباع بقدر الجناية، ويعتق ما فضل؛ يريد: لا مال للسيد، وإلا يكمل عليه عتق جميعه، قال محمد: وينبغي إن كان موسرًا وفي العبد فضل ألا يحلف السيد أنه لم يرد حمل الجناية؛ لأنه إذا صدق بيع بعضه في الجناية وعتق باقية، فيلزمه التقويم، فيلزمه الأرش وإن كره، قال التونسي: العهدة مشكلة في العبد؛ لأنهم إن أجازوا البيع وأخذوا الثمن على من يرجع المشتري إذا استحق، والبائع لو أسلمه للمجني عليه، وانتقض البيع فاستحق رجع المسمى للمشتري، وأجاز أهل الجناية البيع فاستحق العبد؛ فإن رجع المشتري بالثمن على البائع لعدم أهل الجناية أدركه ضرر؛ لأنه قد رضي بإسلامه فسقطت العهدة، فإذا أجازوا البيع والمشتري مليء أضر ذلك به، إلا أن يقال: لما علم البائع بالجناية، وباع فقد رضي بالعهدة عليه إن أجازوا البيع، قال ابن يونس عن مالك: إذا حلف: لم يرد حمل الجناية؛ رد عتق العبد، وخير السيد في الإفتكاك؛ فإن أفتكه كان حرًا؛ لأنه أعتقه أو أسلمه، وله مال أو نحوه معيبًا بقدر العتق، وهو تفسير لما في الكتاب، وعن ابن عبد الحكم: إذا حلف أنه لم يرد حمل الجناية؛ رد عتقه وخير السيد في افتدائه، ويبقى له عبدًا، أو يسلمه عبدًا، وعن المغيرة: إذا أعتقه عالمًا بالجناية ضمن كإيلاد الأمة، وإن جرح رجلين فعلم بأحدهما؛ فأعتقه رضي فحمل الجنابة ودفعها إليه، ثم قام الآخر، فعليه إعطاء الآخر الأقل من أرش جرحه، أو نصف قيمة العبد؛ إن كان المدفوع إليه أكثر من ذلك، ويأخذ ما بقي؛ لأنه ظهر أنه إنما يستحق نصفه، وهو لا يقدر أن يسلم إليه نصفه لما حدث فيه من العتق، وإن جنى فوهبه بعد علمه، ولم يرض بأداء الجناية، وحلف: ما أراد حملها؛ فإن الجناية أولى به. قال اللخمي: قال محمد: إن أعتقه والجناية أكثر، وحلف أنه لم يرض بحملها وكان عليه قيمتها؛ فإن نكل غرم الدية، وإن كان بيد العبد مال يقوم بالجناية؛ أخذ منه، وعتق، أو وجد من يغيثه، واختلف: هل يبدأ بأخذ ماله، أو يتخير السيد؟ فعلى القول بأن السيد يفتديه للرق؛ يبتدأ بماله وبمن يعينه، وعلى القول أنه يفتدي لعدم تخيير السيد؛ فإن لم يكن له مال، وفي قيمته فضل عن الجناية، فثلاثة أقوال في المدونة: يباع منه بقدر الجناية، ويعتق الباقي (وفي الموازية: يعتق) كله على السيد؛ لأنه يستكمل عليه ما قابل الجناية. وقيل: يسلم كله لأهل الجناية؛ لأن الأصل في جناية: أن لا يباع إلا بعد حقها، والأول يقتضي أن لا يستكمل على المعتق، وإلا لا يستكمل من غير بيع، وإنما أعتق ذلك القدر من باب: لا ضرر ولا ضرار؛ لأن السيد برئ منه بالبيع، فعتق الباقي أولى من رقه. فرع: في الكتاب: إن جنى فقال: أبيعه وأدفع الأرش عن ثمنه؛ إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون، أو يأتي بضامن ثقة فليؤخر اليومين ونحوهما، وإلا فداه أو أسلمه؛ لأن الأصل: تعينه للجناية؛ فإن باع ودفع دية الجرح جاز بيعه وإلا فلا، قال اللخمي: إن كان فيه فضل؛ فالأحسن: إجابته للبيع؛ لأن المجني عليه إذا أخذ حقه سقط مقاله، واختلف: إذا أسلمه السيد وأراد أولياء الجناية نقض البيع، فدفع المشتري الجناية. فقيل: له ذلك تتميمًا للعقد، ويرجع على البائع بأقل من الثمن أو الفداء، وقيل: ليس له؛ لأن البائع برئ منه، وأسلمه إلى أولياء الجناية فصار ملكا لهم فلا يباع إلا برضاهم، وعلى القول الآخر: إن كان في الثمن فضل على الجناية وقف؛ فإن رجع السيد أو المجني عليه إلى إجازة البيع أخذوه؛ لأن المشتري لا حق له فيه. فرع: في الكتاب: إن ولدت بعد الجناية لم تسلم وابنها معها؛ إذ يوم الحكم يستحقها المجني عليه، بل تسلم بما لها بعد الجناية، وقاله أشهب: في الولد والمال؛ لأنه جزؤها. قال ابن يونس: قال المغيرة: إن ولدت بعد الجناية فهو رهن معها في الجناية. قال ابن القاسم: إن ماتت فأهل الجناية أحق بمالها، إلا أن يدفع السيد الأرش. قال اللخمي: الجناية لا تتعلق بذمة السيد، لقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)؛ إلا أن يتسبب السيد في ذلك مثل: أن يجيعه فيسرق، ففي كون الجناية حينئذ في رقبته أو ذمة سيده قولان، (وقضى عمر رضي الله عنه على حاطب لما أجاع عبيده حتى سرقوا بعيرًا: بقيمة البعير، وثنى عليه عقوبة)؛ فإن أمره السيد بذلك: فللمجني عليه أتباع السيد قولاً واحدًا؛ يتبع بها العبد فيفدي منه أو يسلم، واختلف إذا أسلمه وله مال فسلمه بماله عند ابن القاسم كالعتق، وقال مالك في أم الولد تجني: تقوم بغير مالها، وقيل: تقوم به. فعلى الأول: يقوم العبد بغير مال، وإن جنت حاملاً أسلمت على هيئتها والحمل للمجني عليه؛ فإن وضعت قبل الإسلام: لم يسلم الولد لانفصاله قبل الحكم، وإن حملت بعد الجناية، ثم وضعت فخلاف، والإسلام أحسن؛ لتجدده بعد الجناية. وعلى قول: لا يسلمه إذا جنت حاملاً والاستثناء؛ لتجد بعد فيه هاهنا أخف من الاستثناء في البيع، وإذا قتل العبد عبدًا فقتله المجني عليهم؛ فالمال للسيد اتفاقًا؛ لأن الذي كان لهم هو نفس القاتل، وقد أخذوها، واختلف إذا عفوا عنه وأسلم إليهم، فعند ابن القاسم: لا يسلم ماله؛ لأنه لم يستحق بالقتل إلا رقبته، وإن أسلمه؛ ليستحيوه، فقتلوه؛ استرجع المال منهم. فرع: في الكتاب: إذا جنى المأذون وعليه دين من تجارة، فأسره العدو، فابتاعه رجل منهم، فلم يفده سيده بالثمن، فليس لأهل الجناية أخذه إلا بدفع الثمن للمبتاع، ولو أسلمه سيده أولًا بالجناية؛ لم يكن لمن صار له أخذه إلا بدفع الثمن، وأما الدين فباق في ذمته، وإنما سقط عن العبد وعمن يصير له ما كان قبل أن يؤسر في رقبته. في النكت على مذهب ابن القاسم: إذا بيع في المغنم، ووجده سيده بيد المشتري، يفتكه إن أحب بالثمن، والجناية فيها، أو يسلمه؛ بخلاف قول سحنون: إنما يقبله بالأرش بين الجناية أو الثمن، للزوم الجناية له قبل الأسر، فإن صار في سهم رجل من المغنم، ثم جنى، ثم قام ولي الجناية، وأتى السيد، خير السيد الأول بين افتكاكه وإسلامه؛ فإن افتكه بالذي صار في السهم، ثم أخذ منه المجني عليه عقل جنايته، وإن فضل ذلك للذي صار في سهمه؛ فإن كان الأرش أكثر مما صار له في السهم، افتكه بالأرش، وكان ذلك للمجني عليه؛ فإن أبي السيد الأول أن يفتكه بذلك خير الذي صار في سهه في إسلامه للمجروح، أو يفتكه بالعقل؛ فإن جنى ثم غنم جنى بدىء الآخر. قال التونسي: لم يذكر في الكتاب: أن المشتري دفع الجناية لأهل الجناية، ويقدم عليهم؛ كمن جنى عبده فباعه ولم يعلم بالجناية لأهل الجناية،و أسلمه لأهل الجناية؛ أن للمشتري دفع الأرش للمجني عليه، ويرجع البائع الأقل، وقد يكون المشتري هاهنا يخالف المشتري من المالك الذي جنى عبده؛ لأنه هناك أخذه من أهل الجناية، فرجع على البائع منه بالأقل، وهاهنا إذا فداه من أهل الجناية لم يرجع على أحد فحل أهل الجناية محل صاحبه الذي كان له، وقد يقال: يد المشتري هاهنا أقوى ما لم يكن له الرجوع على أحد؛ فصارت شبهة بالشراء، وقد قال غير ابن القاسم: إن أهل الجناية يقدمون على المشتري؛ لأن البائع لما لم يفده صار ملكًا لهم، لا سيما على القول: إن أهل الجناية ملكوه؛ لقوله عليه السلام: (العبد فيما جنى)، وقد أسنده كالشراء. فرع: في الكتاب: إن جنى فلم يحكم فيه حتى جنى جنايات: فإما فداه بدياتهم أجمع، أو أسلمه إليهم فيتحاصصوا فيه بقدر جناية كل واحد، ولو فداه ثم جنى؛ فداه ثانية أو أسلمه للحديث، قال اللخمي: على القول إنه بالجناية الأولى ملك للمجني عليه حتى يفتدي منه، يخير الأول إذا أسلم إليه بين أن يسلمه أو يفديه من الثاني؛ فإن جنى، ثم جني عليه، قال ابن القاسم: يخير سيده بين فدائه أو يسلمه وما أخذ في جنايته، وقبل نقص الجناية على العبد والجناية عليه، ويخير سيده في فدائه بحصة العبد، أو يسلمه، ويكون عليه الأقل بما أخذ في الجناية، أو قيمة ما ذهب منه، ويكون الفضل؛ فإن جنى، ثم جنى عليه، ثم جنى: قال ابن القاسم: إن أسلمه؛ أسلم معه دية جرحه؛ فكان ذلك للمجروح الأول وحده، ويقتسمان العبد بينهما على قدر الجنايتين، ولا يحسب على الأول مما أخذ شيء، ثم رجع فقال: يتحاصان في العبد ودية الجرح، وقال أشهب: إن أسلمه فهو بينها، وللأول نصف دية الجرح التي كانت وجبت للعبد، وللسيد نصفها؛ لأنه جرح الأول صحيحًا؛ فله نصفه صحيحًا، وجرح الثاني مقطوع اليد؛ فله نصفه كذلك، وقال عبد الملك: دية الجرح الأول الجرح الأول ينسب للعبد؛ فإن كان ثلثه فقد أخذ المجروح ثلث حقه، ويضرب في العبد في الثلثين، ويضرب الثاني بجرحه كله، قال محمد: القياس أن يكون للسيد في قيمة جرحه بالخيار؛ لأن العضو الذاهب كان عليه قبل ذلك بعض الجناية، وقد أخذ العوض عنه؛ فيجعل عليه ما ينوبه ويحط عن الثاني. فرع: في الكتاب: إن أعتق نصف عبده فجنى قبل القضاء لتكمله لم يكن كالحر؛ إذ لو مات السيد، أو لحقه دين قبل الحكم رق باقيه، بل يلزم السيد الأقل من نصف قيمته أو نصف الأرش،و يكمل عتقه؛ لأنه لو أسلمه يقوم عليه،و يكون نصف الأرش في ذمة العبد بكل حال، فإن مات السيد قبل القيام فنصف الأرش في ذمة العبد، ويخير الورثة في إسلام النصف الرقيق، أو يفدونه ويكون لهم رقًا، فإن أعتق المليء شقصًا من عبد مشترك فجنى قبل التقويم؛ خير المتمسك في فداء شقصة وتقويمه على المعتق، أو يسلمه؛ فيقومه المسلم إليه على المعتق بقيمته يوم الحكم معيبًا؛ لأنه كذلك ملكه، ويتبع العبد لا العاقلة بنصف الجناية، وإن جاوز ثلث الدية؛ لأنها لا تحمل عن عبد، فإن وهب المتمسك حصته منه لرجل بعد العتق فالتقويم للموهوب، بخلاف البيع؛ لأن البائع باع بمعلوم على أن يأخذ قيمة مجهولة، وهو غرر، ولا غرر في الهبة، وإن جنى المعتق بعضه أو جني عليه: فلسيده أو عليه بقدر ملكه منه، وللعبد أو عليه بقدر المعتق منه، وتبقى حصة العبد فيما يأخذ من أرش بيده كما له، وكان ملكه يقول: يأخذ من له رق فيه الأرش كله كأرشه، قال اللخمي: يختلف في صفة التقويم إذا لم يقوم حتى جنى؛ فإن افتداه قوم قيمة واحدة، ويقال: كم قيمة جميعه قبل العتق؛ لأنه له أن يدعوه إلى بيع جميعه؛ فيأخذ نصف تلك القيمة إن كانت مائة؛ خمسين. فإن أسلمه؛ زيد تقويم نصفه يوم العتق على أن نصفه عتيق، فإن قيل ثلاثون؛ فله عشرون، وهي فضل ما بين نصفه قيمته قبل العتق وبعده، وللمجني عليه قيمة نصفه الباقي يوم يقوم على أن نصفه عتيق، وعلى القول إنه حر بالسراية للشريك نصف القيمة يوم العتق، وللمجني عليه قيمة جميع المجني به على العبد، فإن كان العتق مفسدًا؛ بقي النصف رقيقًا، وقسمت الجناية على العتق والرقيق، ويخير المتمسك بالرق بين فدائه أو إسلامه، قال ابن القاسم: ولا شيء للسيد في ماله إن افتداه، ولا للمجني عليه إن أسلم إليه، ويؤخذ ماله كله عن العتق، إلا أن يكون فيه فضل؛ فإن قصر ماله عما ينوبه، أخذ من كسبه ما يفضل من عيشه وكسوته، الأحسن أن لا يؤخذ من المال إلا نصفه؛ لأنه الذي ينوب العبد، ويأخذ الشريك النصف؛ لأنه إذا دفع النصف في الجناية كان ذلك مقاسمة، فأخذ الشريك نصفه، وكذلك كسبه في المستقبل الفاضل عن عيشه، وإذا جني عليه فثلاثة أقوال: نصفها للسيد، ونصفها للعبد، وجميعها للمتمسك بالرق كقيمته إذا قتل وجميعها للعبد كما له، وإن عتق وهو موسر، وباع المتمسك، والمشتري عالم بالعتق، فالحكم: التقويم، ومتى علم بالتقويم واليسار؛ فسخ البيع لفساده، فإن فات بحوالة سوق فما فوقها فالقيمة فيه على أن نصفه عتيق، وأنه يقوم، وإن جهل التقويم صح البيع، وهي مسألة عيب فلا تفته حوالة سوق، وتفته العيوب فما فوق، وإن أحب التمسك مع القيام أن يكون هو المقوم على المعتق؛ فذلك له على أحد القولين، وعلى القول بأنه مالك الرد كالمبتدي شراء يفسخ، ويمنع التمسك، وإن علم بالعتق ولم يعلم يسر المعتق؛ حط عنه عيب التقويم، ولزمه التقويم على المعتق؛ فإن لم يقم حتى أعسر المعتق سقط قيامه إن كان عالما بالعتق، ولم يعلم سره،وإن لم يكن علم بالعتق وأعسر المعتق فمقاله لعيب العتق يرد مع القيام، وإن فات رجع بقيمة العبد، أو مات العبد رجع بعيب العتق. فرع: في الكتاب: إن قال: عبدي حر بعد موتي بشهر، فلم يحمله الثلث خير الورثة بين الإجازة أو عتق ثلثه بتلا، فإن أجاز واحد منهم تمام الشهر وعتق، فإن أسلمها خدم العبد في الجناية تمام الشهر وعتق، وأتبع بقيمة الأرش في ذمته؛ لتأخر الجناية عن سبب الحرية، وإن افتكه الوارث خدمهم بقية الشهر، ثم عتقل بشيء؛ لأن ما يفتدي صار كالرقيق، وإن لم يجز الوارث الوصية؛ عتق من العبد محمل الثلث، ثم إن جنى اتبع بما ينوب ما عتق منه، ويخير الوارث في إسلام ما رق منه وفدائه؛ فإن جنى، قيل: يخير الوارث في ضيق الثلث خير بين فدائه، ويخدمه إلى أجل ويعتق، ولا يتبع بشيء؛ فيكون قد أجاز الوصية، وإن أبى؛ عتق منه بتلا ما حمل الثلث، وأتبع من الأرش بحصة ذلك،وخير في فداء ما رق منه وإسلامه، وإن جنى موصى يعتقه قبل موت السيد فللسيد فداؤه وإسلامه؛ فإن فداه بقي على الوصية، أو أسلمه بطلت؛ فإن لم يفد المجني عليه حتى مات السيد، فالعبد رهن بالجناية؛ فإن أسلمه الورثة رق للمجني عليه، أو افتدوه عتق في الثلث؛ فإن بتل عتق في مرضه فجنى وله مال مأمون؛ كالعقار يوم العتق فهو: كالحر في الجناية عليه ومنه، ويقتص منه في العمد، ويتبع العاقلة في الخطأ؛ فإن كان المال كثيرًا غير مأمون وقف لموته، وكان كالمدبر؛ إن حمله الثلث اتبع بالجناية أو بحصة ما حمل منه، وخير الوارث فارق، وكذلك إن أوصى بعتقه فجنى بعد موت السيد وقبل أن يقوم في الثلث؛ فإن حمل الثلث عتق واتبع دينا كالمدبر؛ لأنه يشبهه، وهو كالعبد ما لم يقوم في الثلث، وإن كان الثلث يحمله، إلا أن تكون أموال السيد مأمونة؛ فهو في جنايته، والجناية عليه كالحر، وإن قتل في المرض ولا مال له، أو مال غير مأمون؛ فجنى العبد جناية، ولم ينظر فيها حتى أفاد السيد في مرضه مالاً مأمونًا؛ بتل عتق العبد واتبع بالجناية في الذمة، ولا تحملها العاقلة؛ لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل العاقلة جنايته؛ لأنها لا تحمل إلا إذا حمل معهم، فإن جنى في مرض السيد، أو قتل فعقله عقل عبد؛ لأنه لا تتم حرمته حتى تكون أموال السيد مأمونة، وإن بتله في المرض؛ فجنى جناية، ثم مات السيد ولا مال له غيره؛ عتق ثلثه واتبع بثلث الأرش، وخير الورثة في فداء ما رق منه وإسلامه، وهذا والمدبر سواء، وإن صح السيد؛ عتق العبد واتبع بالجناية، وإذا وقف المبتل لم يقل لسيده: أسلمه أو أفده كما يجني في المدبر؛ لأن هذا فيه ولا رق، وفي المدبر الخدمة، وعلى هذا ثبت بعد أن قال غيره، وإذا وقف المبتل في المرض وقف ماله معه؛ فإن جنى لم يسلم ما له في جنايته؛ لأنه قد يعتق بعضه إذا مات سيده ولا مال له غيره، وليس للوارث إن افتك ما رق منه أخذ ماله أو أسلمه، فلا يأخذ المجني عليه منه شيئًا، ويقف المال معه؛ لأن من دخله حرية وقف ماله، وإن قال: أعتقوا عبدي فلانًا بعد موتي؛ فجنى بعد موته قبل العتق، فهو كالمدبر؛ يجني بعد موت سيده إن حمله الثلث عتق، وكانت الجناية في ذمته، وإلا خير الوارث في إسلام ما نابه فيه في باقي الجناية، أو يفديه بأرش ما بقي، وإن أوصى أن يشتري عبد بعينه فيعتق، فاشترى فجنى قبل العتق فهو كالموصى بعتقه يجني بعد موت سيده، فيعتق، ويتبع بالجناية في ذمته، بخلاف غير المعين؛ لأن لهم إذا اشتروه أن لا يفتدوه ويبدلوه بغيره إن كان أفضل للمبيع. في التنبيهات: في الموازية في المبتل في المرض: أنه يخدمه المجني عليه في أرش الجناية إذا أداها قبل موت سيده رجع إليه ووقف موته، وإن لم يتم الأرش حتى مات سيده عتق في ثلثه؛ فما عتق كان عليه مما بقي من أرش الجناية لربه، وخير الوارث فيما رق منه، وقيل: ينظر إلى قيمة الرقبة والجناية (إن عين فيها الجناية) إن عتق؛ لأنه أحق من الدين، فلا معنى لتوقيف عتقه، ولا حق فيه بعد الجناية لغريم ولا وارث. في النكت: قال محمد في الموصى بعتقه: لا يقوم في الجناية إلا بعد موت السيد فيفتكه الورثة. قال: تسقط قيمة من مال الميت في قول ابن القاسم، ثم يكون ما بعد هو ماله؛ فإن كانوا فدوه بالثلث فأدي عتق كله، أو أكثر عتق منه قدر ثلث مال الميت بعد إسقاط العدد من مال الميت. قال التونسي: اختلف في الموصي بعتقه أيعجل في الثلث؟ فعلى ما في المدونة: الأشبه أن ما دفعوه في فدائه يذهب من رأس المال كجائحة أتت عليه، وتضاف قيمته إلى ما بقي من مال الميت؛ فإن خرج من الثلث عتق وإلا ما حمل الثلث، والمدفوع في الجناية كالتالف من المال، وفي الموازية: يجعل ما فدوه كأنهم اشتروه من المجني عليه، فلا تضاف قيمته إلى ما بقي من المال؛ لأن أهل الجناية ملكوا الجاني، فأشبه الموصي بأن يشتري فلا فيعتق، لا ينظر إلى قيمته بل الثمن؛ فإن خرج من الثلث يرد لك، والموصي بعتقه بعد شهر؛ إذا لم يحمله الثلث. ففي الموازية: للورثة إجازة العتق إلى شهر، ويحملون الجناية، ثم يخيرون في إسلام الخدمة أو افتدائه بالجناية، وكان لهم أن يفعلوا بعد الجناية ما كان لهم أن يفعلوه قبلها من الإجازة، والمبتل في المرض إذا وقف لينظر أمره؛ فالصواب أن الورثة لا يخيرون في إسلام خدمته؛ لأن الميت أراد تعجيل عتقه، وإنما وقف من جهة الأحكام؛ فيجب إيقاف خراجه معه؛ فإن خرج من الثلث بقى خراجه معه.و قيل: يخيرون في إسلام خدمته [....]؛ لأن السيد لما كان غير قادر على تعجيل عتقه؛ فالخدمة باقية على ملكه، فأشبه المعتق إلى أجل. قال ابن يونس: قوله في المبتل في المرض: إن وقف لا يسلم ماله في جناية؛ لأنه قد يعتق بعضه بعد موت السيد، ولا مال له غيره، يلزمه أن المدبر لا يسلم ماله في جنايته؛ لأنه قد يعتق بعضه، بل العلة أن المبتل في المرض يتبعه ماله إذا لم يشترطه السيد، فالسيد لا يملك خدمته، ولا مال له فلا يسلم منه ما لا يملكه كما لا يسلم رقبته، وله في المدبر الخدمة وانتزاع المال، قال اللخمي: الموصى بعتقه إذا لم يفد ولم يسلم حتى مات السيد؛ خير الورثة عند ابن القاسم، فإن افتدوه عتق من الثلث، وقال أشهب: يكون رقيقًا؛ لأن الجناية ملكته، والفداء كالشراء، وإن قال: إن مت فهو حر، والمال مأمون، والجناية خطأ، تبلغ الثلث؛ حملتها العاقلة. وإن لم يخلف متموله خير الورثة (فإن لم يجيزا يعتق ثلثه وتفض الجناية، فما ناب العتيق اتبع به أو الرقيق خير الورثة) في افتدائه، واختلف إن أجازوا؛ فقيل: ليس لهم ذلك إلا أن يحملوا ثلثي الجناية، وقال أشهب: يخيروا والجناية في ذمة العبد؛ لأن العتق من الميت. والأول أحسن؛ لأن الثلثين ملك لهم، فإذا أجازوا كان العتق منهم، وإن قال: هو حر بعد موتي بشهر، ولم يحمله الثلث، فقال ابن القاسم: يخير الورثة بين إعطاء الأرش كله، ولهم خدمة العبد أو يعتق ثلثه ويخيروا في افتداء الثلثين، وقال محمد: إن شاءوا أنفذوا الوصية والخدمة للمجني عليه إلى تمام الشهر، فيعتق ويتبع بما بقي إلا أن يشاءوا أن يفدوا تلك الخدمة بالجناية على أن لا يتبع العبد، أو لا ينفذوا الوصية ويعتقوا ثلثه، وتفض الجناية. قال: وأرى أن يخيروا في عتق ثلثه وفض الجناية، أو يفده بجميع الجناية ويكونون على رأيهم في عتق جميعه إلى أجل وتكون لهم الخدمة، ولا يجيزوا الورثة ويعتقون ثلثه بتلا، وإذا بتل في مرضه، ولا مال له غيره، وللعبد مال؛ فإن أسلموه لم يكن لأهل الجناية منه شيء، ووقف معه. وعنه في كتاب الديات: للعبد دفع ماله عن النصيب المعتق منه مال، وأرى أن يدفع ثلث ما في يديه عن المعتق منه؛ لأنه القدر الذي يستحق من ذلك المال، وينزعه الورثة إن افتدوه أو المجني عليه الثلثان؛ لأن ما دفعه العبد عن نفسه كالقسامة، وإن قال: اشتروا عبدًا فأعتقوه هو بخلاف التعيين، ولأن لهم إبداله؛ يريد أن من حق المجني عليه أن لا ينفذ عتقه، ويقال له: تتبع ذمته وهذا يحسن إذا اشتروه من التركة أو للميت وفي الثلث فضلة. أما إن اشتري للميت وهو قدر الثلث؛ فإن لهم عتقه، ويتبع المجني عليه ذمته. فرع: في الكتاب: إن أخدم عبده رجلاً مدة معلومة أو حياته فجنى؛ خير مالك الرقبة، فإن فداه بقي في خدمته، أو أسلمه خير المخدم إن فداه خدمه، فإذا تمت خدمته؛ فإن دفع إليه السيد ما فداه به أخذه، وإلا أسلمه للمخدم رقًا؛ لأن الفداء صيره كالمجني عليه، فإن أوصى برقبته لآخر والثلث يحمله إذا جنى قدم صاحب الخدمة؛ إن فداه خدمة وأسلمه بعد الأجل للموصي له بالرقبة؛ لأنها في الوصية فرع استيفاء الخدمة، ولا يتبعه بشيء مما ودى؛ لأنه فداه لنفسه، والفرق: أن الرقبة في الأول ملك للموصى، له الرجوع فيها، بخلاف الموصى له، وإن أسلمه خير صاحب الرقبة إن فداه أخذه؛ لسقوط حق الخدمة بالإسلام. قال سحنون: اختلف قوله في هذا الأصل، وأحسن ما قيل: أن يبدأ صاحب الخدمة إن فداه خدمة بقية الأجل، ولا يكون لصاحب الرقبة عليه سبيل حتى يعطي الفداء، وإلا كان للذي فداه رقًا؛ فإن كان الثلث يحمله وقد أوصى بخدمته لرجل، وبرقبته لآخر؛ فقتل أو قطعت يده في الخدمة، فالأرش لمن له مرجع الرقبة؛ لأنه بدل عنها أو حزها؛ قاله مالك، واختلف فيه أصحابه. قال التونسي: قال غير ابن القاسم في المسألتين: يبدأ بالمخدم؛ فإن افتداه لم يكن للذي له الرقبة سبيل إلا بدفع الجناية، وإن أسلمه خير من له مرجع الرقبة؛ فإن افتده سقط حق صاحب الخدمة، وقال أصبغ: يبدأ صاحب البتل فيخير كما إذا وهب الخدمة فقط؛ فإن أخدم عبده مدة ومرجعه إليه. قال أشهب: يكونان كالشريكين؛ تقوم رقبته بعد الرجوع، وهي قيمة الخدمة خيرًا جميعًا في الفدية والإسلام؛ فإن فدياه دفع كل واحد نصف دية الجرح، وبقي العبد على حاله، وإن أسلماه بقي مملوكًا للمجروح، أو افتدى أحدهما ماله فذلك له، وإن خالفه الآخر؛ فإن أخدمه رجلاً سنة ثم لآخر سنة، ثم رقبته لآخر، فاختلف قوله فيه اختلافًا كثيرًا، وعن ابن القاسم: يخير المخدمان؛ فإن افتدياه فهو على حله، ولا يرجعا بالفداء على أحد، أو أسلماه أخدمه المجروح؛ فإن انقضت السنتان وجرح حرًا اتبعه المجروح بما بقي، وإن استوفى قبل ذلك رجع إليه منها سنة، وإن أسلم أحدهما وقال الآخر: أفدي، فللفادي الخدمتان: خدمته، وخدمة الآخر. وينبغي على رأي أشهب: أن يقوم مرجع رقبته، ويخيرون كلهم كالشركاء، وعن ابن القاسم: يخير المخدم أولاً لتقدمه؛ فإن افتداه خدمه سنة ولا رجوع له في المخدم الثاني، ولا على صاحب الرقبة، أو أسلمه خير الثاني، فإن أسلمه خير صاحب البتل؛ فإن كان بعدهما إلى حرية اختدمه المخدم في الأجلين؛ فإن أدى الجناية وقد بقي من خدمة أحدهما شيء رجع فخدمه ثم عتق، وإن افتداه الأول فخدمه فلم يستوف ما أدي خدمه في أجل صاحبه حتى يستوفي؛ فإن بقي في أجل صاحبه شيء فأخذه، فاختدمه ثم خرج حرًا بعد انقضاء الأجل؛ فإن كان مرجعه لثالث فأسلم للمخدمين، خير صاحب الرقبة؛ فإن أسلمه كان للمجروح، أو افتداه كان له بتلاً، وقيل: إن أسلمه المخدم الأول وفداه الثاني لم يختدمه إلا سنة، ثم يرجعه إلى ما أرجعه إليه سيده، قال: وفيه نظر؛ لأنه إذا جنى أول السنة الأولى، وافتداه الثاني بعد أن أسلمه الأول فالذي افتداه لم تأت سنته، والأول لا يمكنه أن يأخذ منه؛ لأن قد سلمها، والذي له مرجع الرقبة إنما هو له بعد سنتين، فكيف يأخذ هذه السنة، والأشبه أن تكون السنتان للثاني الذي فداه؟ قال ابن يونس: قال محمد: لم يختلف مالك وأصحابه أنه أن أخدمه مدة، ثم مرجعه إليه فقتل في المدة، فقيمته لسيده؛ لأنها بدل عن الرقبة، وهي له؛ ولأن السيد لو أحدث دينا لقوم على المبتل له بعد سنة، ولو مات السيد ورث عنه؛ لأن المبتل لم يحرزه بعد، وإنما اختلف قوله إذا خدمه، ثم مرجعه لفلان بتلاً. قال أشهب: إن قبضه المخدم حيازة له وللمبتل له معه لا يلحقه الدين المستحدث، ولا يبطله موسده وتقام قيمته إن قتل مقام يشتري بها من يخدم مكانه، ثم يصير لصاحب المرجع؛ فإن أخدمه فقتله السيد خطأ فلا شيء عليه، ويغرم في العمد القيمة؛ فتجعل في يد عدل لواحد منهما؛ للمخدم بقية الأجل أو العمر إن أعمره إياه، فما فضل فللسيد، وما عجز فلا شيء عليه؛ لأنه لم يلتزم شيئًا في ذمته عند الخدمة، وإنما ضمن في العمد بسببه في الإتلاف، وقال ابن القاسم: يشتري منها من يخدمه تحقيقًا للمساواة بين البدل والمبدل منه، وإن أخدم أمته رجلاً ثم هي حرة فجرحته اختدمتها بالجناية؛ فإن استوفى رجعت للخدمة بقية الأجل؛ فإن انقضت ولم يستوف اتبعها بالباقي، وكذلك إن جئت على عبده كالمدبر يجني على السيد. فرع: في الكتاب: إن جنى المعتق إلى أجل ففدى سيده الخدمة أو يسلمها؛ فإن فداه، عتق العبد للأجل ولم يتبعه بشيء؛ لأن جناية الرقيق لا تتعلق بذمته، وإن أسلمها خدم العبد في الجناية؛ فإن وفاها قبل الأجل لسيده وإن أوفى الأجل لم يتم عتق، واتبع ببقية الأرش، قال ابن يونس: فإن جنى على سيده فكالمدبر. فرع: في الكتاب: إن جنى المدبر وله مال، دفع ماله لأهل الجناية توفية بالعتق والجناية، وإن لم يكن فيه وفاء؛ أسلم السيد حصته أو فداها بباقي الجناية، وإن جنى المدبر على جماعة؛ فأسلم إليهم فحاصوا في خدمته، ثم جرح آخر، حاص الأول لمساواته في السبب؛ هذا بجنايته، والأول بما بقي له. قال مالك: إن جنى المدبر خير سيده بين فداء خدمته بما جنى، أو يسلمها فيخدمه المجني عليه؛ فإن تم ماله والسيد حي رجع إليه مدبرًا أو عتق في الثلث ببقية الجناية في ذمته، فإن أدركه دين يغترقه (ومات السيد والدين والجناية يغترقانه؛ بيع منه للجناية) فالمجني عليه أحق برقبته لتعلق الجناية بها دون الدين؛ إلا أن يقدمه أهل الدين ببقية الجناية، أولاً يغترقانه؛ بيع منه للجناية والدين، وعتق ثلث ما بقي. وقال ابن القاسم: إذا جنى وعلى سيده دين يغترق قيمته أولاً، فالجناية أحق بالخدمة إلا أن [...] الغرماء الأرش فيأخذوه أو يؤخروه حتى يستوفوا دينهم؛ فإن لم يأخذه الغرماء أسلم للمجني عليه يخدمه، فإن مات السيد وعليه دين ورقبته كافية في الدين والجناية وفضلة بيع منه لذلك وبدئ بالبيع للجناية، وعتق ثلث الباقي، وإن كان لا فضل في قيمته (أو هي أقل منهما فالجناية أحق به لتعلقه في رقبته)؛ إلا أن يزيد الغرماء على قيمة الجناية فيأخذوه ويحط عن الميت قدر الزيادة، وإن جنى وله ماله وعليه دين؛ فالغرماء أحق بماله لاختصاص الجناية برقبته، مال له فدينه في ذمته، والجناية في خدمته. في النكت: إن قيل: لم لا يخدم المجني عليه والمعتق إلى أجل؛ إلى موت السيد، وانقضاء الأجل؛ لأن السيد مالك الخدمة لهذا الحد، وقد سلم ما يملك فلا يقاصص بالخدمة في الأرش، ولم لا؛ كان كالعبد القن إذا سلم تكون رقبته له، وإن كان فيها فضل الغي؛ كذلك هاهنا لا يأخذ من القيمة مقدار الأرش، قيل: قد لا يبقى من الأجل إلا يوم، أو يموت السيد بعد يوم فتبطل الجناية، ولا يمكن الرجوع على السيد؛ لأنه قد سلم ما يملك، ولا يطالب العبد أيضًا بالجميع؛ لأنه قد يسلم فيملك المجني عليه شيئين: ما أٍسلمه السيد، وجميع الأرش؛ وهو باطل. فتعين مطالبة العبد بما بقي له؛ إن بقي له شيء، فإن استوفاه رجع السيد. معنى مسألة اجتماع الجناية والدين: أنهم إذا افتكوه بالأرش فقط، ولم يزيدوا فإذا بيع وفضل عن الأرش فهو في دينهم؛ فإن فدوه بزيادة كان الفضل عن الأرش لهم، ولا يحاسبوه به في دينهم؛ لأنهم كأنهم ملكوه بتلك الزيادة، وفضله لهم، وقوله: لم يزيدوا على الأرش، مثاله: الأرش خمسون، فيقولون: ندفعها لأهلها وتسقط عشرة من ديننا عن الذمة؛ فبالإسقاط: يصير ذلك كثيرًا، إن فضل عن الأرش كان لهم، ولا يأخذوه من دينهم، ومتى كانت الجناية عشرة وقيمة العبد عشرة، والدين عشرة، فهو كأهل الجناية فقط؛ إلا أن يفتكه أهل الدين في قيمته فضل عن عشرين بيع الأرش والدين، وعتق ثلث ما بقي، لاحتماله هاهنا جزأً من الحرية، والجناية: إنما تتعلق بجميع الرقبة حتى يفك؛ لأنه يباع من الجاني بقدر الأرش، فإن قيل: إذا استوى في الدين والجناية والقيمة إنما رق من جهة الدين لا من جهة الأرش؛ لأنه إذا انفرد الأرش لم يمنع عتق التدبير، واتبع ما عتق منه بمنابه من أرش، وإذا كان الموجب لرقه إنما هو الدين فلم لا يكون للجناية مقدار ما اغترقه الدين فقط؟ فيكون لهم في المثال المتقدم نصفه؛ لأن الدين إنما اغترق فيه نصفه. قيل: يلزم أن يعتق من المدبر ما يتعين للعتق، وهو باطل؛ لأن بقاء بعد الدين يمنعه لو أخذ أهل الجناية مقدار ما اغترقه الدين، وقال أهل الدين فيما بقي، فإذا أخذوا شيئًا، قال أهل الجناية فيه: لأن الجناية أقوى لتعلقها بالرقبة، فلما كان لهم القيام كلما قام أرباب الدين، كان جميعه للجناية، واعلم أنها تصير مسألة دور؛ كقول أشهب فيمن اعتق عبدًا وعليه دين: يغترق نصفه، ثم استحدث دينًا آخر، ثم قام جميعهم، وابن القاسم يخالفه. فانظر لم افترقا عند ابن القاسم، وإذا جنى المدبر على سيده فمات السيد قبل وفاء الأرش؛ فيعتق بعض المدبر في الثلث، واتبع حصة العتيق بما يقع عليه، ورق باقيه للورثة. ينبغي أن يكون ما يؤخذ من العبد كمال كذا يدخل في ثلثه؛ لأن المدبر يدخل فيما لم يعلمه السيد غير أنا إذا أعتقنا منه مثل ثلث ما نقص منه أولاً وجب أن يجعل على القدر الذي ازداد في عتقه ما يقع عليه (من الأرش، فكما امتنع جزاء العتق بما يؤخذ به امتنع بما يفضل). قال التونسي: إذا جنى المدبر؟ قيل: يخير سيده في إسلام جملة الخدمة أو يقيدها؛ لأنه الذي يملكه من المدبر، وعلى هذا لا يرجع بعد إسلامها، وإن عتق في ثلثه لم يتبع ببقية الجناية، وإذا لم يترك غيره فعتق ثلثه لا يتبع الثلث المعتق، ولا يخير الوارث، وإن كان الدين مثل الجناية. وقال أهل الدين: يضمن الجناية ويأخذ العبد، لم يكن لهم ذلك إلا أن يزيدوا؛ فتحصل الزيادة من الدين. وفي الموازية: لو أراد الوارث أن يبيع منه بقدر الجناية التي أدوا، ويدفع الفاضل للغرماء (منع، ولا يأخذوه إلا على طرح ما دفعوا، ويباع كله للغرماء)، وفيه نظر؛ لأنه حق في الشفعة؛ لهم أخذها، ويكون الفضل للغرماء، وإن اشترى بالخيار فمات، للوارث الأخذ من ماله إذا لم يرد الغرماء أخذه إن كان في أخذه ضرر على الميت، ولم يقل: إن ذلك الفضل للغرماء، واختلف في جنايته بعد أن أسلم خدمته، لمن يكون خراجه: لسيده - وهو الأشبه - أو لأهل الجناية؟ وإذا كان الدين يغترقه فترك أهل الدين دينهم. قيل: يعتق ثلثه كمن مات ولا دين عليه، وقيل: الجناية أحق به لأنها كانت استحقته كله، وإن ولدت المدبرة فجنت فمات السيد مديونًا بدء بالجناية؛ فإن أحاطت برقبتها أسلمت وحدها، ويكون الدين في ولدها إن اغترقهم بيعوا، أو بعضهم بيع البعض وعتق ثلث الباقي؛ فإن اغترقت الجناية نصفها (بيع نصفها) في الجناية، وفض الدين على نصفها وعلى الولد؛ فيباع منهم بالحصص، ويعتق ثلث الباقي، فيعتق من ولدها أكثر مما عتق منها؛ لأن الجناية ملكت بها، فما رق منها الجناية وبيع كأن الميت لم يتركه ولم يمت إلا عمًا رق منها عن ولدها. فرع: في الكتاب: إذا جنى العبد وعليه دين؛ فديته في ماله، وجنايته في رقبته، يسلمه سيده أو يفديه. فرع: قال: إن مات سيد المدبر وعليه دين يغترقه، وعلى المدبر دين بيع في دين سيده وأتبع هو بدين نفسه، ولغرماء السيد مؤاجرة المدبر في دينهم إن أعدم السيد؛ فإن جنى العبد على سيده فلا شيء عليه، وأما المدبر فيخدمه بالجناية؛ فإن مات ولم يتبعها عتق في ثلثه وأتبع ببقية الجناية، أو عتق بعضه في الثلث اتبع بحصة ما عتق منه من بقيتها، ويسقط ما بقي. وقال غيره: لا يختدمه السيد؛ لأنه مالك لرقبته ولخدمته قبل الجناية، ولو فداه من أجنبي لم يتبعه بما فداه، ولو أسلمه لاتبعه المجروح بما بقي إن عتق في الثلث؛ فإن جنى على سيده وعلى أجنبي اختدماه بقدر جنايتهما. قال سحنون: وهذه مثل الأولى؛ فإن قتل مدبر وحر قتيلاً خطأً فنصف الدية على عاقلة الحر، ونصفها في خدمة المدبر؛ فإن قتل المدبر رجلاً عمدًا فعفا أولياؤه على أخذ خدمته فذلك لهم، إلا أن يفديها السيد بجميع الدية، وليس لهم العفو في رقه؛ لأنه مدبر. فإن جنى فأعتقه سيده وأراد حمل الجناية لزمه وإلا حلف: ما أراد، ثم ردت خدمته وخير بين إسلامه وافتدائه مدبرًا؛ فإن أسلمه وللمدبر مال أديت منه الجناية وعتق، وإن لم يوف ماله أخدمته وأخدمه المجروح بما بقي وعتق، وإن لم يكن له مال اختدمه؛ فإن استوفى والسيد حق عتق، أو مات السيد قبل والثلث يحمل المدبر عتق واتبع ببقية الجناية، وإن لم يدع السيد غيره عتق ثلثه واتبع بثلثي الأرش ورق باقيه للمجروح إن كانت قيمة ذلك مثل ما قابله من قيمة الأرش؛ لأن سيده أسلمه حين كان له الخيار، ولا خيار فيه للورثة لأن الموروث أسلمه، وإن لم يحلف السيد أنه ما أراد حمل الجناية عتق وكانت الجناية على السيد؛ فإن لم يكن له مال رد عتقه، وأسلم يخدم المجروح؛ فإن أدى في حياته عتق ولم يلحقه دين استحدثه السيد بعد عتقه، وإن لم يوفها حتى مات السيد، وقد استحدث بعد عتقه دينا يغترقه الغي وعتق ثلثه واتبع بثلثي بقية الأرش، ثم إن باعه أخذ في ثلثيه بثلثي باقي الجناية عتق، وإلا رق ثلثاه لأهل الجناية؛ إلا أن يكون في ثمن ثلثيه فضل عن ثلثي باقي الجناية فيباع من ثلثيه بقدر ثلثي باقي الجناية وعتق الباقي. وإن كان للسيد مال يخرج من ثلثه عتق واتبع بباقي الجناية، وإن كان دين السيد قبل العتق والجناية؛ فهو كمدبر لم يعجل له عتق، ولو أن عبدًا بين رجلين دبر أحدهما نصيبه فرضي شريكه وتماسك وجنى؛ خير الذي دبر في إسلام خدمة نصف العبد أو دفع نصف الجناية، وجناية العبد في رقبته، (والخدمة خدمته) وما جنى على المدبر فعقله لسيده بخلاف (ماله ومهر المدبرة كما لها هي أحق به بعد موت السيد من الوارث؛ لأنها استحلت به، ويخير الذمي في مدبره الذي في إسلامه عبدًا؛ لأنه لا يمنع بيعه كما لو اعتق عبدًا ولم يخرجه من يده، وإن فداه بقي على تدبيره، وإن أسلم مدبره ثم جنى؛ خير في إسلام خدمته وفدائه فيؤاجر له ولا يختدمه؛ لأن مدبر الذمي إذا أسلم لزمه تدبيره وأجرته عليه؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي، وإذا أسلم مدبر الذمي ثم قتل أو جرح فعقله لسيده. في التنبيهات: قال في المدين: يكون له مال؛ يبدأ بماله، وقال: إذا أعتقه وحلف ردت خدمته، وخير سيده؛ فإن أسلمه وله مال أخذ من المدبر، فجعل تخيير السيد أولاً. قيل: إنه مما يختلف فيه، هل يفدي بمال المدبر ومن يعينه؟ فإن فقد خير السيد، وهو ظاهر كتاب أول الجنايات في الجاني يعتق. قال: قال اللخمي: وهذا على الخلاف هلا يرجع إلى فداء السيد رقيقًا أو حرًا، فعلى الأول يبتدأ بماله، وعلى الثاني يبتدأ بتخيير السيد، وظاهر الكتاب: بطلان العتق وهو كشرائه وقد بطل التدبير بالجناية، ومثله عن ابن كناية: في العبد يجنى ثم يعتقه سيده، وأنه يحلف: ما أراد حمل الجناية ويرد عتقه، ثم إن فداه بقىله عبدًا وواله عنده إن كان للجناية عند العتق، وعن ابن القاسم: إن فداه عتق تنفيذًا لعقد التدبير. قال التونسي: إنما ينبغي على مذهب ابن القاسم أن يخير السيد أولاً؛ فإن فداه لم يحل وإلا حلف. قال ابن يونس: قال محمد: إن لم يكن للسيد مال استحلفه وأسلمه للمجروح يختدمه؛ لعدم الفائدة في التحليف متى رجع وسيده حتى لا يضره الدين المستحدث، وإن لم يرجع حتى مات سيده بطل عتق البتل وعتق بالتدبير؛ فيكون الدين المستحدث أولى به، وتكون الجناية أولى به من الدين؛ إلا أن تكون فيه فضلة عن الدين والجرح، فيعتق من تلك الفضلة ثلثاه ويرق بقيتها، وإن جنى المدبر صغيرًا لا يكتسب له، قال محمد: لا شيء عليه ولا على سيده حتى يبلغ العمل ويطيقه، فإن مات قبل ذلك سقط حق المجروح) وكذلك المدبرة التي لا عمل عندها ولا منعت. فرع: في الكتاب: إن حنت أم الولد لزم سيدها الأقل من الأرش أو قيمتها أمة يوم الحكم، زادت قيمتها أو نقصت؛ لتعذر رقها، وكذلك ما أفسدته بيدها أو دابتها أو بتسببها؛ فإن كان الأقل أكثر من قيمتها لم يتبع السيد بما زاد ولا هي إن عتقت؛ لأنها لو كانت قنًا واسلمت لم يكن عليها فضل الجناية، ويحاص أهل الجناية عزمًا سيدها بذلك، وتقوم أمة بغير مالها؛ لتعلق الجناية برقبة الرقيق. وقيل: به؛ لأنه زائد في قيمتها، ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية؛ لأنه رقيق آخر، وإن قتلت رجلاً خطأ فلم ينظر فيه حتى قتلت آخر خطأ فقيمتها بين أوليائهما نصفين، وإن حكم في الأول بالأول وجب للثاني الأقل أيضًا ثانية يوم الحكم، وكذلك يفديها كلما جنت إلا أن يتأخر الحكم حتى تجتمع جنايات؛ كل جناية مثل قيمتها فأكثر، فلا يقوم إلا قيمتها لعدم الحكم المعين للأول شيئا كالعبد يجني فيفتديه، ثم يجني فيخير فيه ثانية بالفداء والإسلام، أو إن اجتمع عليه جنايات قبل أن يفديه خير بين دفع قيمة ما جنى لكل واحد منهم، أو يسلمه فيتحاصص فيه بقدر جنياتهم، فإن جنت أقل من قيمتها ثم على أحد أكثر من قيمتها فعلى سيدها قيمتها لهما يقسمانها بقدر الجنايتين؛ فإن قام أحدهما والآخر غائب، فله الأقل من أرشه أو ما ينوبه في المحاصة مع الغائب من قيمتها الآن، ثم إن قام الآخر فله الأقل من جنايته أو حصته من قيمتها يوم يقوم، وإن جنت ولم يحكم عليهما حتى جنى عليها ما أخذت له إن شاء؛ فعلى سيدها الأقل من أرش الجناية أو قيمتها، معينة يوم الحكم فيها مع الأرش الذي أخذه فيها، وكذلك العبد يجني ثم يجني عليه قبل الحكم فيخيره في إسلامه مع ما أخذ من أرش أو يفديه، وهذا إذا أخذ في أرش أقل من دية ما جنى، فإن كان فيه وفاء بذلك أو أكثر، فلا خيار للسيد، ويؤدي من ذلك المجني عليه الأرش، ويبقيان لسيدهما جمعًا بين المصالح. وإن قتلت عمدًا فعفي الولي على قيمتها لم يلزم السيد إلا أن يشاء؛ لأن جناية الرقيق لا تتعلق بالسيد، فإن أبى فلهم القتل أو العفو كالحر يعفي عنه على الدية فيأبى، وقال غيره: يلزم السيد غرم الأقل من القيمة أو الأرش، وليست كالحر بل كالعبد، وإن عفا على أخذ رقبتها امتنع؛ لتعينها للحرية، وإن رضي السيد وكذلك المدبر، وإن جنت ولم يحكم فيها حتى ماتت فلا شيء على السيد؛ لأن جنايات الرقيق في رقابهم. وإن لم تمت ومات السيد ولا مال له فلا شيء على أم الولد. قال غيره: ذلك إن قاما على السيد حيًا، فإن مات قبل قيامهم فلا شيء عليه، وهو عليها؛ لأنها الجناية، وما جني عليها فعقله لسيدها وكذلك المدبرة. وإن اغتصب حرة فعليه صداقها، أو أمة أو أم ولد، أو مكاتبة، ولم ينقصها ذلك فلا شيء عليه إلا الحد؛ لأنه يجرى مجرى الأموال لا يضمن إلا بالنقص، فإن نقص فذلك للسيد، ويحاص المكاتبة به في نجومها، ويقوم كل من عليه علقة رق قيمة عبد، وإن جنت على سيدها فلا شيء عليها، وإن ولدت من غير السيد بعد أن صارت أم ولد، فجنى ذلك الولد بأكثر من قيمته أو أقل؛ خير السيد في فدائه ويبقى على حاله، أو يسلم خدمته فيختدم بالأرش؛ فإن وفي رجع لسيده، وإن مات السيد قبل الوفاء عتق تبعًا لأمه وبقية الأرش عليه؛ لأنه الجاني بخلاف أمه، وللمجني عليه أخذ خدمة الولد حتى يتم حقه إلا أن يفتكه السيد بدية الجناية، ويفدي الذمي أم ولده بالأقل، وله إسلامها رقًا؛ لأنا لا نمنعه بيعها ويحل وطؤها للمسلم إليه ولمبتاعها، وإن استدانت أم الولد من تجارة أذن لها فيها، ففي ذمتها كالعبد. وإن جنت أم الولد؛ فوطئها السيد فحملت، فإن لم يعلم بالجناية أدى الأقل من قيمتها يوم حملت أو الأرش، فإن لم يكن معه (مال أسلمت للمجني عليه) اتبع به، وإن علم قبل الوطء لزمه جميع الأرش وإن زاد على قيمتها، لأنه رضي، فإن لم يكن له مال أسلمت للمجني عليه ولا شيء عليه في الولد؛ لأنه لا يسلم أمة بولدها، والابن يطأ من تركة أبيه، وعلى الأب دين يغترقها، فإن علم به وبادر الغرماء؛ لزمته قيمتها، فإن لم يكن له مال بيعت لهم، وإن لم يعلم أتبع بقيمتها في عدمه، وكانت له أم ولد، وقال غيره هذا بخلاف وطء السيد، وعلى السيد إسلامها في عدمه. وإن لم يعلم بالجناية (لأنه لو باعها ولم يعلم بالجناية) وأعتقها المبتاع لم يكن له ذلك فوتًا، ولو باعها الورثة ولم يعلموا بالدين واعتق المبتاع لم يرد العتق؛ وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا اتبعوا به من أخذه. في التنبيهات: قوله: أو ماتت قبل سيدها وقبل الحكم؛ لا يكون على السيد شيء، لم يذكر ألها مال أم لأبيه عليه. قال عبد الملك: إن كان لها مال وهو عين، فللمجروح عقله منه، وإن قصر لم يكن للمجروح غيره، وإن كان عرضًا خير سيدها في افتكاكه بالأرش، أو إسلامه، وقوله إن مات السيد فلا شيء على أم الولد. وقال غيره: إنما ذلك إن قاموا على السيد حيًا لم يبين ما على السيد هاهنا، وظاهر قوله: أن مذهبه إلزام السيد الأقل من قيمتها أو الأرش، وكذلك جاء مفسرًا في سماع أصبغ، وعن سحنون: لا شيء على ورثه السيد، ولا يكون لهم أن يفتكوها من مال السيد، ويكون ذلك عليه يتبع بالأقل من قيمتها أو أرش الجناية؛ فيتحصل ثلاثة أقوال عند ابن القاسم: ذلك على السيد، وعند سحنون: عليها، وعن ابن القاسم: لا شيء عليها ولا على السيد؛ إلا أن يكونوا قاموا عليه. في النكت: قيل: الأمة الجانية إذا وطئها السيد عالمًا بالجناية ولا مال له: إنها تسلم إن لم يكن فيها فضل، وإلا تبع بقدر الأرش أو الباقي بحساب أم الولد على أحد الأقوال، ولا بد أن تستبرأ الأمة الجانية، إن لم يظهر حمل، ولا يتهم في الإقرار بالوطء كانت وخشًا أم لا. قال بعضهم: إن حملت فالقيمة إنما تكون يوم الحمل لا يوم الحكم؛ لأن فوتها بالحمل، وإن كان له مال قومت بمالها عند ابن القاسم وغيره، بخلاف أم الولد الذي اختلف في تقويمها، والفرق: تعلق الجناية برقبة هذه ومالها، ووطؤها منع من رقبتها بالحمل وهو حادث، وأم الولد ممنوعة الرقبة، فاحتيج في قيمتها لما لها، وإذا وطء الأمة عالمًا وسلمها لا شيء عليه في الولد، والابن يطأ من تركة أبيه يلزمه قيمة الولد؛ لأن الأمة الجانية لا تسلم بولدها وإن حدث بعد الجناية، وفي الدين تباع مع ولدها، وألزم الواطئ عالمًا الأرش، ولم يحلف إنه لم يقصد التزام الأرش، كما إذا أعتق عبدًا بعد الجناية؛ لأنه في العتق (يقول: أردت) أن يتبع هو بالأرش في ذمته، ولا حجة له في الحمل، وواطئ الأمة من تركة أبيه إنما يلزمه الأقل من قيمتها أو الدين؛ وإن وطئها عالمًا بالدين لا يلزمه الدين كله، فما يلزمه الأرش كله في الجنايات إذا علم بجنايتها؛ لأن الدين لا يتعلق بعينها خاصة،وإنما الحكم: أن تباع فيه، فإن كان أقل فهو الذي اتلف على الغرماء، وإن كان دينهم أقل فلا حجة لهم، والجناية متعلقة بالرقبة، ولو هلكت الرقبة بطلت الجناية. قال التونسي: في الموازية: إذا جنت أم الولد يفديها بالجناية كلها أو يسلمها. قال: وهو صواب؛ لأنه إذا قدر على إسلامها لم يفدها إلا بالجناية كلها كالعبد، والأحسن: تقويم أم الولد بحالها؛ لأنها لو كانت أمة أسلمها بما لها، فكذا يجب أن يفديها، وفي الكتاب خلافه، ولذلك إذا ولدت من غير سيدها أن يسلم الولد معها؛ لأن الجناية متعلقة بعينها، وهو من نمائها فيكون للمجني كما لو هلكت ضمانها منه، وكذا إن اعتلت علة بعد الجناية أسلمها معها، وإذا مات ولا مال له فلا شيء عليه ولا عليها، وقال غيره: ذلك عليها؛ لأنها الجناية، وفي الموازية: إن ترك السيد مالا أخذت الجناية من ماله، وقد يقال: لا شيء على السيد إن ترك مالاً؛ لأنه إنما بطلت بقيتها يوم يقام عليه وله مال والتركة ملك غيره بالإرث إلا أن يقال: الجناية متعلقة بذمته، وإن جني عليها أو مات السيد قبل قبضه فقيل: ذلك لها، وقيل: لسيدها - وهو الأصوب - وإن جنت الأمة فباعها سيدها ولم يعلم فأولدها المشتري؛ فإن افتكها السيد تم البيع، وإن لم يفدها البائع فداها المشتري بالأقل من قيمتها، أودية الجناية، ويرجع على البائع بالثمن إلا ما يقع على المشتري من قيمة الولد يفض الثمن على قيمة الولد والأم؛ كأنه اشتراهما معًا، ورجع على البائع بحصة الأم. قال: وفيه نظر؛ لأنه لم يكن معها وقت البيع. قال ابن سحنون: إن جنت أم الولد على رجلين موضحة، فقام أحدهما فأسلم إليه سيدها قيمتها ولم يعلم بالآخر وكانت قيمة يوم الأرش سواء، فلم يقم الثاني حتى جرحت ثالثًا موضحة، ثم قام هو والثاني، رجع السيد على الأول بخمسة وعشرين؛ لأنه إنما كان له يوم قام نصف الجناية، ثم ينظر إلى قيمتها اليوم، فإن كانت ستين فقد جنى على الثالث فعتقها المفتك وهو فارغ، والنصف الآخر وهو مرتهن بجناية الثاني فنصف موضحة في النصف الفارغ فيفتكه السيد منه بخمسة وعشرين؛ لأنه نصف جنايته أقل من نصف قيمتها الآن، والنصف الثاني بينه وبين الثاني على ما بقي لهما، والباقي في جنايته، وللثاني في جميع جنايته؛ فيقتسمان نصف قيمتها ثلاثًا وثلاثين: فللثالث ثلاثة عشر، وللثاني الباقي. وعن ابن القاسم: إن قام الثاني أو الثالث رجع بنصف ما أعطى الأول، ويعطي هذين إن شاء دية جرحهما أو قيمتها الآن، فتكون بينهما نصفين، وأنكر سحنون قوله: نصفين ودية جرحهما كاملاً، وإن جني على أم الولد فأعتقها قبل أخذ الأرش. قال محمد: هو لها كمالها. وقال أشهب: للسيد؛ لأنه استحقه قبل العتق، وأما العبد يعتقه أو يهبه بعد علمه بالجرح؛ فلسيده وإن لم يسلمه، بخلاف ماله. وقال أشهب في أم الولد: الذمي لا يفديها إلا بجميع الأرش، فإن جنت فأسلمت قبل الحكم؟ قال ابن حبيب: يفديها وتعتق عليه ويسلمها؛ لأنها مرتهنة بالجناية قبل أن تسلم، فإن أسلمها وفي ثمنها فضل بيع منها للجناية وعتق الباقي، وإن كانت كفافًا أو أقل من الجناية وقت للمجني عليه، فإن أسلمت ثم جنت قبل أن يحكم بعتقها عتقت، وعلى السيد الأقل من جنايتها أو قيمتها كأم ولد المسلم؛ لأنه لم يكن يقدر على بيعها ولا إسلامها، ولو ماتت قبل الحكم يعتقها لورثتها بالرق، وإن قتلت أخذ قيمتها قيمة أمة، وإن أسلم فهو أحق بها، وإن جني عليها فالأرش لسيدها في القياس، والاستحسان أن يكون لها إن لم يسلم سيدها، ويعرفه ابن حبيب: مرة بالجناية قبل الإسلام أو بعده استحسان، والقياس عدم الفرق؛ لأن إسلامها ليس بعتق، ولأن الجناية إنما تستحق يوم الحكم، وقد صادفها ذلك قبل العتق؛ فوجب على السيد الأقل من قيمتها أو الأرش، ولم يكن له أن يسلمها لأنها بالإسلام صار لها حكم أم الولد المسلم؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي. وعن ابن القاسم: إن أٍسلمت ثم جنت قبل أن تعتق عليه (اتبعت بالجناية دون سيدها، ولا يجتمع أنها تعتق عليه) ويغرم، قال اللخمي: إن قتلت أم الولد خطأ؛ أربعة أقوال: قال مالك: يفديها بالأقل من الجناية، أو قيمتها يوم الحكم. وقال المغيرة: الأقل من الجناية أو القيمة يوم جنت، وقال ابن عبد الحكم: لا شيء عليه، بل في ذمتها، وقال (ابن الجهم): يخير السيد بين أرش الجناية أو يسلم ما بقي له فيها من الخدمة فيستخدمها أو يؤاجرها، ولا يلحقه من جنايتها أكثر مما يملك؛ فإن وفت رجعت إليه، وإن مات عتقت واتبعت بالباقي، قال: وهو أبين كالمدبرة، بل أم الولد أقوى حرية، فإذا لم تلزمه قيمة المدبرة فأولى هاهنا، وإذا جنت ثم جنت قبل الفداء؟ قيل: إن كانت قيمتها مثل أقل الجنايتين فإنها تكون بينهما بالسواء؛ لأنه لو انفرد أحدهما أخذ جميعها، فلا عبرة بالأكثر، بخلاف المفلس يكون ماله أقل الدينين؛ لأن تلك معاملات تؤثر فيها في يديه بالقلة والكثرة بحسب ما تسلم، وله ذمة تتبع، وإن استوت الجنايات وقام أحدهما أولاً فله الأقل من جنايتها أو نصف قيمتها يوم الحكم له، فإن قام الأول ولم يعلم بالثاني فافتداه منه السيد، ثم قام الثاني، نظر ما ينوب الأول في الحصاص لو علم بالثاني فيترك، وانتزع منه السيد الفضل، ثم دفع الثاني الأقل من جنايته، أو نصف قيمتها اليوم، وإن علم بالجنايتين فافتدى من الأول دون الثاني حتى جنت على ثالث: فالجناية الثالثة تفض على نصفها لا جناية فيه، ونصف فيه جناية، وإذا جنت الأمة، ثم أولدها سيدها، يختلف فيها في أربعة مواضع: إن كان غير عالم موسرًا، هل القيمة يوم الحكم أو يوم الحمل؟ وإن كان معسرًا غير عالم: هل تمضي أم ولد، أو يأخذها المجني عليه؟ وإن كان عالمًا موسرًا، هل تعد إصابته رضا فيحمل الجناية أم لا؟ (وإن كان معسرًا، أو كان له أن يأخذها هل يتبعه بقيمة الولد أم لا)؟ قال ابن القاسم: في الأول القيمة يوم الحكم، وفي الثاني تمضي له أم ولد بالأقل من قيمتها أو قيمة الجناية كالمحبل أمة من تركة أبيه، وفي الموازية: إن كان عالمًا موسرًا فهو رضا بحمل الجناية، وهذا إذا علم الجناية وما يوجبه الحكم أنه يمنع منها إلا أن يتحملها، فإن جهل حلف أنه جهل الحكم. وفي الموازية: إذا حملت بعد الجناية أسلم ولدها معها؛ فعلى هذا إذا كان عالمًا فقيرًا وأسلمت الأمة اتبع بقيمة الولد. فرع: في الكتاب: جناية العبيد بينهم كالأحرار، نفس العبد بنفسه، وجرحه بجرحه، ويخير سيد المجروح في المجروح في القود وأخذ العقل، إلا أن يسلم إليه الجاني؛ لأن العبد فيما جنى، وإن قال سيد المجروح: لا أقتص بل آخذ الجارح إلا أن يفديه سيده بالأرش (وقال سيد الجارح: إما أن تقتص أو تنزع، فالقول لسيد المجروح وكذلك في القتل) لأنه المستحق، وإن مات الجاني قبل تخيير السيد بطلت الجناية؛ لأنه تلزمه القيمة يوم الحكم، ولا قيمة للميت، وإن كان للجاني مال فهو مع رقبته في جنايته أو يفديه سيده بالعقل، وللرجل أن يقتص من عبده لعبده في النفس والجرح، ولا يكون ذلك إلا عند الإمام بالبينة، وإن جرح عبد أو قذف فادعى سيده عتقه قبل ذلك، لم يصدق، وأرشه أرش عبد يكون للعبد دون سيده لإقراره بحريته، وإن جرحه السيد أو قذفه فثبت أنه أعتقه قبل ذلك فلا شيء عليه؛ إلا أن يحكم عليه بالعتق، وحكمه حكم الحر مع الأجنبي دون السيد؛ استصحابا للشبهة، وقال غيره: إن جحد العبد العتق وثبت ببينة فله حكم الحر له وعليه مع السيد وغيره. قال التونسي: إن جرح عبدين ليس له أن يسلم بعضه ويفدي بعضه إلا أن يكون لهما سيدان، فله الفداء من أحدهما، والإسلام للآخر، وإن جنى عبدان على عبد فإنه يسلم أحدهما بنصف الجناية إن شاء ويفتدي الآخر، ولا ينظر لقيمة الجارحين بل قيمة العبد المقتول أو الجرح، وفي الموازية: إن قتل عبد بينهما أجنبيًا، ثم قتل آخر سيده، خير ورثه المقتول في إسلام نصفهم بجنايته، وافتدوه بنصف الجناية؛ لأن هذا النصف جنى على سيده وأجنبي، وعلى السيد يطرح لا يحاص به؛ كما لو قطع يد أجنبي ثم قطع يد سيده، فخير السيد في إسلامه في الجناية كلها، ولا يحاص الأجنبي أو يفديه؛ فإن أسلم النصف للأجنبي، قيل للمجني عليه: نصفك جنى على الأجنبي نصف جناية، وعلى شريكك نصف جناية؛ فإن أسلمته فهو بينهما نصفان، أو يفديه، فإن أسلمه النصف للأجنبي صار ثلاثة أرباعه للآخر، وربعه لورثة الشريك. وإن جرح عبدكما أحد كما قيل لغير المجروح: إما أن تسلم نصيبك كله أو تفديه بنصف دية الجرح، فإن جنى عبدان على رجل، ثم قتل أحدهما الآخر وسيدها واحد، خير في فداء الباقي بالجناية كلها، وذلك دية حر أو فدائه بنصف دية حر، وقيمة الغلام ما كانت؛ لأن في رقبة كل واحد منهما نصف دية الحر يفديه سيده أو يسلمه، وإن قطع عبد يد حر، ثم يد سيده، ثم يده، ثم جنى آخر على العبد فقطع يده؛ قبل أرش العبد الأول، ثم يضرب مع الثاني بجميع دية يده، ولا يحاسب الأول بما أخذ من قيمة العبد، وقيل: الأرش بينها على قدر جراحها كرقبته، وقال أشهب: نصفه للسيد، ونصفه للأول. قال محمد: هذا ضعيف، بل يكون للأول؛ لأنه جنى عليه بعد استحقاق الأول رقبته فينظر ما هو فيحط من جرح الأول، فإن كان ثلث جرحه سقط ثلث جرح الأول، أو ضرب بثلثي دية جرحه في رقبة العبد، وضرب للثاني بدية جرحه كلها؛ لأن الجناية على الثاني بعد أن قطعت يده، فلا شيء له من قيمة العبد، والأول أخذ بعض دية يده إذا هو أحق برقبة العبد، فوجب أن يحط بالذي أخذ من جنايته، فلهذا ضرب في رقبة العبد ببقية جنايته، ويضرب الثاني بجنايته كلها، وإن جنى العبد بعد قطع يده على ثالث فقطع يده، بحسب ما نقص العبد بجنايته كأنه استوفاه، وتبقى له بقية جنايته يضرب بها مع الثاني بجميع الثاني؛ مثل أن تكون اليد من العبد ثلثه، فيسقط في جنايته الأول ثلثها، فيبقى له ثلثان سهمان، وجناية الثاني ثلاثة أسهم، فإن كانت الجنايتان مستويتين فهو بينهما على خمسة أسهم، فإن جرح عبد عبدًا موضحة فلا قود بينهما، ولا يخير السيدان، فإن اختلفت قيمة رقابهما خير سيد الدني في فدائه بما فضل من موضحة الرفيع أو يسلمه، وقال محمد: يخير سيد الجارح الأول (فإن أسلمه كان للعبد الجارح الآخر، ولا شيء لسيد الجارح الأول) وإن فدى غيره الجارح الأول، وطلب جرح عبده قيل لسيده: أقده أو أسلمه؛ فإن اصطدم عبدان فماتا تساقطا وإن اختلف أثمانهما، إلا أن يكون لهما أموال، فيكون مثل الجراح حينئذن، وإن جرح العبد وقال السيد: أعتقته قبل ولم يصدق، وقال الجارح: أمكنه من القصاص، فذلك له، ولا يلزمه ما نقص العبد لإقرار السيد أنه حر، وإن كان خطأ أقل من الثلث فعليه الأقل من ديته حرًا، وما نقص من قيمته وإن بلغت الثلث لا تبع بالجناية؛ لأنه يصدق سيده فلا يلزمه ولا العاقلة، لأن قول السيد لا يلزم العاقلة، وإن كانت الجناية بينه وبين السيد وثبتت وقد اغتله فلا يرجع العبد بالغلة عند ابن القاسم، ولا بأرش الجرح، ولا صداق المثل إن وطئها، ولا بما نقصها، وقيل: يرجع بالكل غير أنه لا يجب، وكذلك قال ابن القاسم، وإن اشتراه فثبتت لم يرجع بالغلة، وإن هلك لم يضمن ثمنا أو استحقت إنها حرة لا صداق لها، وخالفه المغيرة وهو القياس. قال اللخمي: إن جرح العبد رجلاً، فقال السيد: أعتقته قبل، وكذبهما المجروح، وللعبد مال؛ أخذ منه دية الجرح، وإلا خير السيد بين فدائه أو إسلامه، فإن فداه عتق عليه بإقراره، وإلا أخذه المجروح رقيقًا، وإن صدقهما اقتص، أو يخير على دية الجرح ويتبعه في الذمة، وإن صدق السيد وقال العبد: أنا عبد؛ امتنع القصاص، وله دية الجرح من العبد؛ لأن السيد لا يمكن من جرح العبد، وإن قال العبد: اعتقني سيدي، وصدقه المجروح، وكذبه السيد؛ قدم السيد صونًا لماله، وخير بين الفداء بدية الجرح ويبقى في يده عبدًا، أو يسلمه فيقتص منه ويكون حرًا. فرع: في الكتاب: إن أقر العبد بما يلزمه في جسده قتل بخلاف المال، وقد تقدم في الحدود بسط هذا الفرع. فرع: قال: إن جنى المكاتب وأدى جميع العقل بقي على كتابه وإلا عجز وخير سيده في فدائه وإسلامه، وعجزه عن الأرش من قبل القضاء وبعده سواء، وإن قوي على الحال من الكتابة دون حال الأرش فقد عجز، ولا ينجم عليه الأرش كقيم المتلفات، بخلاف العاقلة؛ لأنها غير جانية، فإن عجز عن الأرش وأداه السيد فقد عجز، وإن جنى على سيده فلم يعجل له الأرش عجز، والأرش أقوى لتحقيق سببه، والكتابة لطف بالعبد لا معاوضة محققة، وله دفع أم ولده في جنايته إن خاف العجز كبيعها في عجزه، وإن صالحه أولياء جناية العبد على مائة فلم يؤدها حتى عجز فإن ثبتت خير في إسلامه وافتدائه بالأقل من المائة أو قيمة الأرش، وإن أقر بقتل فصولح على مال؛ امتنع قتله في العمد لإقراره، فإن لم يقتصوا لم يكن لهم في ماله شيء ولا في رقبته إن عجز، وإن أقر بقتل خطأ لم يلزمه شيء عجز أو عتق؛ لأنه مال لا يلزم، أو بدين لزم ذمته عتق أو رق، وإن قتل رجلاً عمدًا له وليان فعفا أحدهما، فإن أدى المكاتب للآخر نصف الدية وإلا عجز وخير سيده في إسلام نصفه أو افتدائه بنصف الدية، ولا شيء لعافي إلا أن يزعم أنه على الدية، ويهتدف إلى ذلك وإلا فلا يقبل قوله، وإن جنى ثم عتق بالأداء قبل القيام عليه فلا عتق له إلا أن يؤدي الجناية حالة وإلا رق وخير سيده في فدائه، أو يسلمه ويؤدي معه ما اقتضى من نجم بعد الجناية؛ لأن الخروج من الرق فرع الخروج من الجناية لقوة سببها وتعلقها بالرقبة، وإن مات وعليه دين وجناية خطأ، فماله للدين، لأن الجناية في رقبته، فإن فضل شيء فهو لأهل الجناية، وإن لم يكن دين فالمال للجناية دون السيد، إلا أن يدفع الأرش، والعبد مثله، وإن لم يترك مالا بطل الدين، وإن حدث للمكاتب ولد في الكتابة لم يلزم الولد دين، ولزمته الجناية في حياة الأب، وإن عجز الأب ليخلص نفسه من الرق، لأنه تبع لأبيه؛ فإن لم يؤدها عجز. قال غيره: وكذلك الدين إذا لم يؤده الولد عجز؛ إذ لا تؤدي كتابة قبل دين، وإلا فإن عجز أسلم السيد الجاني وحده أو فداه، والدين باق في ذمته، قال غيره: وإن أدى الولد الدين والجناية وعتق لم يرجع على أبيه بشيء، لأنه خلص نفسه. قال ابن القاسم: إن مات الأب قبل القيام عليه ولم يترك مالاً؛ بطلت الجناية والدين، ولم يلزما الولد (وهو عديم) إنما كان للأب معونة مال الولد في خوف العجز في حياته، فإن طولب الأب وهو عديم فاختار الولد؛ أداها وتمادى على الكتابة فلم يؤدها حتى مات الأب لزمته، وإن مات مكاتب مديونًا وترك عبدًا قد جنى قبل موته أو بعده، فالجناية أولى بالعبد لتعلقها برقبته إلا أن يفتكه الغرماء بالأرش، وكذلك عبد الحر المديان، من جني مالا تحمله العاقلة وعليه دين وليس له إلا عبد اشترك في الجناية والدين للزومها في الذمة. في التنبيهات: قوله: أرش الجناية حال؛ معناه: إن كانت قتل نفس فالدية حالة بخلاف الحد، وقيل في العبد يفديه سيده في قتل الخطأ بالدية، إنها تنجم عليه، ويلزم ذلك في المكاتب إن عجز عنها حالة، وفداه سيده تنجم على السيد وإن لم تنجم على المكاتب؛ لأن في تنجيمها على المكاتب والعبد إضرار السيد، إذ لا يمكن أن يؤدي إليه من الكتابة شيئًا حتى يؤدي الجناية، وتأخير الكتابة ثلاث سنين ضرر. قال ابن يونس: قيل: إن أدى عنه سيده الأرش على أن لا يرجع بما أدى بقي على حاله مكاتبًا؛ لأن الجناية سقطت وعلى أن يتبعه، فعلى مذهب من يرى أنه يعجز عبده عن الكتابة يرجع له العبد رقًا، وإن باع أم ولده من غير خوف العجز: فعلى القول بأنها أم ولد إذا عتق قيل: ينبغي أن يرد البيع إلا أن يفوت بغير حرية فيمضي ذلك فيها؛ لأن غايتها العتق وقد حصل، وعلى القول بأنها لا تكون أم ولد لا يرد البيع. قال أشهب: عجز المكاتب عن ديته كعجزه عن الأرش يبطل الكتابة ويتبع بذلك في ذمته، وخالفه محمد؛ لأن العبد المدين العاجز عن الدين يصح أن يكاتب، ولا تصح مكاتبته، وفي عتقه جناية وإن قلت، فقد قال مالك: إن أدى كتابته فقام غرماؤه لطلب ما أدى، لا سبيل لهم عليه إلا أن يكون المأخوذ من أموالهم. قال التونسي: اختلف في ولدها يولد بعد الجناية، هل يسلم معها أم لا؟ قال: فإن قيل: إذا جنى ولد في الكتابة وهم ليسوا حُملاء بالدين فيؤدي الدين هو من خراجه، ويؤدون هم الكتابة التي هم حملاؤها، ويبقى عليه الدين في ذمته؛ فإن أداه من خراجه وإلا اتبع به، وقيل: يلزم إذا لم يقدر على أداء الجناية التي جناها هو إذا عجز عنها لا يؤدوا معها، لأنهم إنما تحملوا الكتابة، فسلم هو في الحناية، ويحط عنهم ما ينوبه من الكتابة ويؤدون البقية أو الكتابة كلها إن تعذر إسلامها بموته ويعتقون، قال: وفيه نظر؛ فإن جنى أحد المكاتبين على أجنبي فأدى الجناية بقي على الكتابة، فإن أداها عتق، ولا تراجع بينهما، أو أداها الآخر لعجز الجاني، ثم أديا الكتابة رجع على الجاني بما أدى عنه، إلا أن يكون ممن يعتق عليه فلا يرجع عنه ابن القاسم، ويرجع عند أشهب، كما لو أدى عنه دين، فإن كانوا أخوين وأجنبيًا فجنى أحدهما على الأجنبي فأدى الجناية وهو يقوى على الكتابة، لم يرجع بعضهم على بعض، وإن أداها أخوه وأدوا الكتابة فلا رجوع عند ابن القاسم؛ لأنه فك رقبته من الرق، أو أدى الأجنبي رجع على الجاني، فإن أدوا الكتابة وعتقوا، فأيسر غير الجاني رجع عليه بنصف الجناية؛ لأنه يجب أن يشاركه لتساويهما في الجملة؛ فإن أيسر الجاني بعد ذلك رجعا عليه بالجناية، ويرجع الآخر هاهنا وهو ممن يعتق عليه؛ لأن عدم الأخ وقع بعد عتق الجاني، فإن أيسرا معًا والجاني عديم فأديا الجناية؛ رجع الأجنبي دون الأخ، لأن بالأداء فك رقبته، ولا رجوع لأجنبي بعد العتق لتساويهما في الغرم. قال: ويلزم على هذا لو لم يجد أحدهم وأدى الأجنبي الكتابة لعجزه عنها، ثم وجد أحد الأخوين موسرًا أخذ منه قدر ما أدى عنه، وإن قتل مكاتب مكاتبًا معه في الكتابة غرم قيمته، فإن وفت الكتابة عتق بها الجاني والفاضل للسيد، ويرجع السيد على الجاني بقدر ما عتق منه من القيمة، كان أجنبيين أو قرابة، وإن كان أخوه فلا يرث من القيمة؛ لأنها كدية العمد لا يرث القاتل إذا عفا عنه ولا من المال، وإن كان القتل خطأ أخ القاتل بقية ماله إن كان يرث، وغرم قيمته واتبعه السيد بقدر ما عتق، قال ابن القاسم: يغرم الأخ قيمة المقتول، فإن كانت مائة وبقية الكتابة مائة، وترك المقتول مائة أدى القيمة فيعتق ويرجع عليه السيد بخمسين إن تساويا في الأداء، وأخذ الأخ مائة تركة المقتول إن كان القتل خطأ؛ لأنه يرثه من ماله لا من ديته، فحمله غرم القاتل عند ابن القاسم خمسون، وقال عبد الملك: يؤدي بقية الكتابة من القيمة التي غرمها الجاني من ماله فيؤخذ من القيمة خمسون، ومن التركة خمسون يدفع في الكتابة، ثم يرجع السيد عليه بالذي عتق به من القيمة هو خمسة وعشرون، ويأخذ السيد الخمسين الباقية من القيمة، ويأخذ المكاتب الخمسين الباقية من مال المقتول؛ يغرم على هذا خمسة وسبعين، فإن كان القتل عمدًا لم يرث من المال، فإن كان معها أخ ثالث، والقتل خطأ فغرم قيمته ووفت الكتابة، ورجع الأخ عليه بقدر ما عتق به من القيمة فكان ما ترك المقتول بينهما إن كان القتل خطأ، وإن كان عمدًا فذلك للذي يقتل، فإن كان القتيل عديمًا وليس معهما أخ ثالث رق إن كان القتل عمدًا، وإلا عتق فيما ترك كأنه أداه من عنده، ورجع عليه السيد بقدر ما عتق به منه، فإن كان معها أخ ثالث، والجاني عديم، وترك المقتول مالا، فينبغي أن يعتق القاتل بمال المقتول إن كان القتل عمدًا، ويعتق به الأخ الذي لم يجن، ويرق القاتل، فإما أن يدفعه سيده لأخيه يباع عليه ولا يعتق عليه، أو يقدم بقيمة المقتول فيكون عبدًا للسيد. قال اللخمي: إذا جنى المكاتب، وأدى الجناية بما في يده، وبقي ما يرجى أن يسعى فيه، أرى أن يسعى حتى يؤدي الكتابة، ولا يكون له تعجيز نفسه، وكذلك إن بقي ما إن تلوم له رجي له القدرة على السعي، وإن لم يرج له ذلك عجز، وخير سيده، ولا أرى أن يمكن من تعجيز نفسه إلا بعد كشف السلطان لما عنده، وإن لم ينظر قوته من ضعفه حتى أدى الجناية، ثم بين أنه كان غير قادر على الجميع، مضى فعله؛ لأن السيد لا يختار إلا بقاءه من غير غرم عليه، وحيث يرد السيد ما أخذ من الكتابة إن كان من غير خراجه، فإن كان من خراجه. فمن قال: هو مملوك للمجني عليه من يوم جنى أسلم خراجه، ومن قال: غير مملوك لم يسلمه، وإطلاق الكتاب يصح على أحد القولين، وإن جنى على المكاتب أخذ السيد الأرش، وليس للمكاتب أخذه ليتجر فيه؛ لأنه ثمن رقبته، فإن كانت الجناية كفاف الكتابة كان حرًا أو فيها فضل أخذه المكاتب؛ لأنه ليس عليه إلا الكتابة، أو أقل من الكتابة؛ حاسبه به من آخر نجم، فإن عجز عن أول نجم لم يكن عليه أن يؤدي ذلك له؛ فإن قتل وفي القيمة فضل عن الكتابة، ومعه ولد في الكتابة فهو له، وإن لم يف بالكتابة حاسب السيد بها الولد من آخر النجوم، وإذا قتل قوم عبدً لا كتابة فيه؛ لأن الكتابة والتدبير والعتق إلى أجل أو معتق بعضه سقط حكمها مع القتل إلا أن تكون قيمته مكاتبًا أكثر؛ لأنه قادر على بيعه مكاتبًا، فإن شج موضحة فنصف عشر قيمته مكاتبًا؛ لأن جرحه لا يبطل حكم الكتابة، فإن لم يكن للجرح تسمية قوم ما نقصه. فرع. في الكتاب: إن قتل مكاتبه عمدًا أو خطأ ومعه ولد، قاصوا السيد بقيمته في آخر نجومهم، ويسعون فيما بقي؛ فإن ىوفي ذلك بالكتابة عتقوا، أو فضل أخذوه بالميراث كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة، وكذلك إن قتله أجنبي فأخذ نجومه بنصف عشر قيمته مكاتبًا على حاله في أدائه أو قوته أو جرحه احتسب له بذلك آخر كتابته، وكذلك المكاتبة تلد في كتابتها ولدًا فيقتله السيد؛ يغرم قيمته، فإن وفي الكتاب عتقت، أو فضل أخذت الأم منه ميراثها، وإن قتل المكاتب ومعه أخوه أو أبوه ولد فعجل السيد قيمته حسبت من آخر النجوم لاحتمال العجز؛ فإن وفت عتقوا فيها ولا تراجع بينهم، أو فضل فللورثة الذين معه في الكتابة ميراثًا. وكذلك إن كان السيد هو الجاني، ولا شيء لغرماء المكاتب أو العبد من قيمتها قتلهما أجنبي أو السيد، ولا في شيء من قبل رقبتهما من جرح أو غيره، كما لا يدخلون في ثمن العبد إن بيع، والدين باق في ذمتها، وعلى قاتل المكاتب قيمته عبدًا مكاتبًا في قوة مثله على الأداء وضعفه، ولا ينظر إلى قلة ما بقي عليه أو كثيره؛ لأن يسير الباقي يرق مع العجز، وإن كاتب عبده وأمته زوجين في كتابة، فحدث لهما ولد، فجني على الولد ما قيمته أكثر من الكتابة، فللسيد تعجيل الكتابة ويعتقون، والفاضل للولد،ولا يرجع على الورثة؛ لأنه قد أرقا بهما، وأما ما اكتسبه الابن فهو له، وعليه أن يسعى معهم، ويؤدي في الكتابة على قدر قوته، ولا يأخذ الأبوان ماله إلا أن يخافا العجز، وكذلك إن كان للأبوين مال وخاف الولد العجز؛ لأن الكتابة حمالة بينهم، وإن جنى عبد المكاتب فله إسلامه وفداؤه على وجه النظر، وإن قتل المكاتب عبده، فللسيد أن يقتص منه في النفس والجرح بأمر الإمام، فإن كان معه في كتابته ولد فله مثل ما للسيد في النفع بماله، فإن اجتمعا على القصاص قتلا، ومن أبى فلا قتل للثاني كعفو أحد الوليين، فإن صار العبد للولد بالأداء أو السيد بالعجز، لم يكن للعافي القتل إن صار إليه، وإن صار لمن أراد القتل منهما من ولد أو سيد فله القتل، وإن قتل المكاتب رجلاً فعفا الولي على استرقاقه؛ بطل القتل وعادت كالخطأ. وقيل للمكاتب لذا الدية حالة، فإن عجز عن ذلك خير السيد في إسلامه وفدائه بالدية. وكذلك العبد إذا قتل رجلاً عمدًا فعفا عنه الولي على أن يكون له؛ خير سيده، فإن جنى مكاتب على عبد للسيد أو مكاتب آخر لسيده معه في كتابته أم لا، عجل قيمته للسيد؛ فإن عجز رجع رقيقًا وسقط ذلك عنه، وكذلك ما استهلكه له؛ لأنه أحرز ماله، بخلاف العبد يجني على السيد؛ لأن العبد لا يضمن لسيده ما استهلكه. في التنبيهات: في تقويم المكاتب مكاتبًا كما تقدم أو عبدًا قولان: قال سحنون: بل عبدًا وذكره في الكتاب حالة وهبه؛ معناه: إن كانت في يده صناعة يكون بها ماهرًا أو تاجرًا. في النكت: قال أشهب: إن قتل السيد ولد المكاتبة وفي قيمته فضل على الكتابة؛ أخذت الأم ثلث الفاضل ميراثًا، وسقط عن السيد ثلثاه؛ إن كانت الجناية خطأ، أو عمدًا لم تسقط، وغرم الجميع، ويكون فضل ذلك لأولى الناس به، قال: وفيه نظر؛ لأن القيمة التي تجب على السيد كالدية لا ينبغي أن يرث السيد منها شيئًا، بل الفاضل لأولى النسا بعد السيد. قال محمد: إن جنى المكاتب فقيل له: أد الجناية. فقال: ما عندي (فقد عجز، وخير سيده بين إسلامه وافتدائه عبدًا، وإن قال: ما عندي) الآن، لكن بعد أيام، لا يرق إلا بسلطان يقول له: إن أديت هذا من يومك وشبهه، وإلا فأنت رقيق. فرع: إن قتل أحد المكاتبين في الكتابة الواحدة عمدًا أو خطأ؛ وهما أخوان أو أجنبيان، فللسيد القيمة في الخطأ، ويخير في العمد بين القصاص والعفو عن أخذ القيمة؛ فإن أخذها في عمد أو خطأ (وفيها وفاء بالكتابة عتق بها الجاني، واتبعه السيد بحصة ما عتق به منها في عمد أو خطأ فإن) كان أخًا أو أجنبيًا ولا يتهم الجاني أن يكون أراد تعجيل العتق بالقيمة التي أدى؛ إن كان على أدائها قادرًا قبل العتق ويعتق بها، فإن لم يكن للجاني مال ومعه أقل من القيمة، وللمقتول مال فلا اعتقه فيما ترك المقتول إن قتله عمدًا للتهمة على تعجيل العتق، فإن كانت كفاف الكتابة عتق، واتبعه السيد بما ينوبه منها، وإلا عجز، وإن أداها فلم تف بالكتابة أخذها السيد وحبس له في آخر الكتابة، ويسعى القاتل فيما بقي؛ فإن أدى عتق رجع عليه السيد بما كان حبسه له من القيمة في حصته من الكتاب، وإن كان القتل خطأ أعتق القاتل في تركه المقتول كان أخًا أو أجنبيًا؛ لأنه لا يتهم، ويرجع على الأجنبي بما أدى عنه من المال الذي تركه المكاتب، وبقيمة المقتول أيضًا، ولا يرجع السيد على الأخ بما عتق به من التركة؛ لأن أخاه لم يكن يرجع عليه لو أدى عنه، ويرجع عليه بقيمة أخيه؛ لأن الأخ لا يرث من القيمة، وإن قتل المكاتب أجنبي فأدى قيمته عتق فيها من كان معه في الكتابة، ولا يرجع عليه بشيء إن كان ممن لا يجوز له ملكه، وإن جنى أحد المكاتبين في كتابة فعجز عن الغرم، ولم يؤد من معه في الكتابة الأرش حالاً عجز، وإن لم يحل من نجومها، وخير السيد في الجاني وحده؛ فإن أدى الذي معه الأرش فعتق رجعا به عليه، إلا أن يكون ممن يعتق عليه. فإن قتلت مكاتبة ولدها عمدًا لم تقتل به، ولا يقاد من الأبوين، ولا يعفو المكاتب عن قاتل عبده عمدًا أو خطأً على غير شيء إن منعه السيد؛ لأنه معروف يحل بالكتابة، ويخير سيد الجاني بين فدائه وإسلامه رقًا، وإن طلب هو القصاص وعفى سيده على أخذ قيمة العبد فذلك للسيد دونه، إلا أن يعجل المكاتب كتابته فيتم له ما شاء من عفو أو قصاص، وإن قتل السيد مكاتبًا؛ لمكاتبته أو عبدًا غرم له قيمته معجلاً، ولا يقاصه بها في الكتابة، لأن جنى على مال له، فإن كان للمكاتب الأسفل ولد في كتابته، فللمكاتب الأعلى تعجيل تلك القيمة من سيده، وأخذه قصاصًا من آخر كتابة المقتول، ويسعى ولد المقتول فيما بقي، وإن كانت كفافًا اعتقوا، أو فضلاً أورثوه. وإن ولدت المكاتبة بعد أن جنت ثم ماتت؛ فلا شيء على الولد، ولا على السيد، وكذلك الأمة إن ولدت بعد الجناية ثم ماتت؛ لا شيء على الولد ولا على السيد، ولو لم تمت لم تكن الجناية إلا في رقبتها دون ولدها، ولدته قبل الجناية أو بعدها. قال ابن يونس: قال أشهب: إذا لم يكن للأخ القاتل خطأ ما يؤدي القيمة أو معه بعضها؛ عجل تمام الكتابة من مال المقتول وعتق، أو بيع القاتل بجميع القيمة وبما أدى عنه منها، وإن كان في القيمة التي أدى وفاء الكتابة فإنما - يؤدي الكتابة منها لا من مال المقتول، وإن قتل أحد الأخوين الآخر، ولم يكن السيد قبض من الكتابة شيئًا، وقيمة المقتول مثل الكتابة فأداها القاتل وعتق، رجع عليه السيد بما عتق به منها وهو نصفها، إن كانا في الكتابة معتدلين. قال أشهب: يرجع عليه بجميعها لموت أحد المكاتبين؛ لأنه لا يوضع بذلك عن الباقي شيء، (قال: ولا يعجبنا؛ لأن قيمة المقتول عوض منه في النفع، والميت إن ترك مالا أديت منه الكتابة). قال محمد: إذا قتل مكاتب مكاتبه وهو عديم؛ بيع عليه كتابة مكاتبه، ويكون مكاتبًا لمن اشتراه، فإن عجزت كتابته عن قيمة المقتول، اتبعه المكاتب بذلك، وهذا على قول الغير في كتاب أمهات الأولاد إذا وطء أمة مكاتبة فحملت، وعلى قول ابن القاسم فيها: يحاص السيد بالكتابة في العسر؛ فإن كانت عفافًا عتق المكاتب، وإن بقي شيء اتبعه به؛ كما قاله في الأمة. فرع: في النوادر: إن قتل عبد عبدًا وحرًا؛ فاتفق الولي والسيد على القصاص؛ اقتص، أو عدمه؛ خير السيد في فدائه أو اختلفا قد طالب القود، وليس كقطع اليد؛ لأنه ليس بين العبد والحر قصاص في الجراح، فإذا قطع العبد بقي جرح الحر في رقبته؛ فإن قتل عشرة أعبد لعشرة رجال قتلوا عبد رجل؛ فله قتلهم أو أخذ قيمة عبده على كل واحد عشر قيمته يؤديه سيده أو يسلمه، وله قتل البعض، ولا عبرة بتفاوت قيمهم، وإن كان قيمة أحدهم ألفًا، فلا تعتبر إلا قيمة المقتول. فإن قتل عبد وحر عبدًا عوقب الحر وعليه نصف قيمة العبد، ولسيد المقتول القتل أو يستحييه، ويكون له في رقبته نصف قيمة العبد مسلمة لسيده، أو يفديه. فرع: قال: قال مالك: إنما ننظر إلى قيمة الجرح بعد البرء وما نقصه يوم البرء، وإن برئ بغير شين فلا شيء فيه إلا الأدب في العمد في الحر والعبد، قال ابن القاسم: إن شج عبدًا موضحة فمات من فوره فله قيمته بغير يمين، وإن عاش ثم مات حلف يمينًا واحدة لما مات منها وثلث القيمة في رقبة العبد الجارح. قال المغيرة: وله الاقتصار على طلب الشجة، ولا يحلف فيفديه به السيد أو يسلمه، وله تحليف سيد العبد الجارح أنه لم يمت من الشجة؛ فإن نكل أسلمه أو فداه بقيمة الميت، وإن أقر العبد أنه منها مات فله قتله، فإن استحياه خير سيده، وإن شهد شاهد أن عبدًا قطع يد عبد، فأراد السيد القصاص، حلف العبد، أو العقل حلف السيد؛ قاله المغيرة. وقال مالك: بل السيد في الوجهين؛ لأنه مالك المال. فرع: قال: إذا أعتق المجروح فإن برئ ولم يسر؛ فلسيده مبلغ ذلك من ديته عبدًا، وإن زاد بعد العتق فالزيادة للعبد على أنها من دية حر، فإن زاد لزوال عضو، فللعبد ديته من حر، ولسيده أرش الجرح، وإن بدأت باضعة لمنقلة بعد العتق؛ فإن لم يستفد طرح أرش الباضعة من عقل منقلة عن حر، والباقي للعبد، وإن عتق بعد الجرح فتناهى للنفس سقط الجرح ولا قصاص للسيد ولا أرش. وقال ابن القاسم: فيه دية حر يرثها ورثته بعد أن يقسموا لمات منها؛ لأن الموت وقع في الحرية، وقال أشهب: دية عبد تغليبًا للسبب. وكذلك النصراني يسلم، وإن أنفذت مقاتله ثم مات. قال ابن القاسم: توارث بالحرية. فرع: قال: قال ابن القاسم: إن كانت قيمته يوم الجرح مائة، ويوم الموت ألفا؛ فليس فيه إلا مائة، وكذلك إن نقص، وإن جنى عليه ثانيًا؛ فعليه قيمته يومئذ مجروحًا، وكذلك طرؤ الجنايات على الجنايات. فرع: قال: قال محمد: كلما أتلف العبد لا على وجه الأمانة ففي رقبته، وما أتلفه على وجه الأمانة وهو صانع أو مودع أو متصع معه أو مستأجر عليه؛ ففي ذمته إلا أن يتعدى ففي رقبته، وكل ما لزم العبد في رقبته لزم اليتيم في ماله، وما لا يلزمه إلا في الذمة لا يلزم اليتيم في ماله ولا في ذمته، وفي خديعة العبد قولان: هل هي في الذمة أو الرقبة؟ قال ابن القاسم في المأذون: إذا أحبل أمة بينه وبين غيره ففي رقبته. فرع: قال: قال ابن القاسم: إذا قتلت أو جرحت فبعتها فولدت، فتقتل في العمد إن كان الولد مثل الثمن فأكثر فهو في الثمن (ولا شيء للمشتري على البائع) ولا للبائع على المشتري في الفضل، أو أقل من الثمن رجع المبتاع على البائع بالنقص، وإن استحيوها خيروا بين الثمن الذي بيعت به من البائع، أو أخذ قيمتها يوم الحكم من الميت؛ فإن أخذوا الثمن من البائع فلا شيء لهم على المبتاع، أو القيمة من المبتاع، رجع المبتاع على البائع بالثمن؛ كان ما غرم من القيمة أكثر أو أقل بالاستحقاق، وللسيد دفع الدية وأخذ الثمن. فرع: قال: قال ابن القاسم: عبد بينكما جنى على أحد كما، يفتك الآخر نصفه بنصف الجناية، أو يسلمه، أو على أحدكما، أو أجنبي؛ فللأجنبي ثلاثة أرباع العبد. فإن شج كليكما موضحة تساقطتاً. فرع: قال: قال ابن القاسم: إذا جنى، ثم أبق، لا يجوز أن يسلم آبقًا؛ لأنها معاوضة حرام. فرع: قال: قال بعض أصحابنا: إذا حفر حر وعبد بئرًا فانهارت عليهما، ونصف قيمة السيد مثل نصف دية الحر أو أقل، فلا تباعة بينهما؛ لأن نصف دية الحر في رقبة العبد الذاهب، إلا أن يكون له مال، ففضل نصف الدية فيه، أو نصف قيمة العبد أكثر، فالزائد في حال الحر والمدبر وأم الولد كالعبد. فرع: قال في الموازية: إذا جنى العبد الرهن؛ ففداه ربه؛ بقي رهنًا، أو أسلمه خير المرتهن في ثلاثة: إسلامه، واتباع الراهن بديته، أو يفديه فيكون مع ماله رهنًا بما فداه إن لم يكن سيده انتزعه قبل ذلك، وهو باليدين الأول رهن بغير ماله إن لم يكن اشترطه، ولا يباع حتى يحل الدين، فإن لم يفده السيد بالدين والأرش بيع وبدئ بالأرش لتعلقه بالرقبة، وإن فضل بعد الدين والأرش شيء فللسيد، أو يأخذه لنفسه بزيادة على الجناية قلت أو كثرت؛ فيسقط مثلها من دينه، ويتبع السيد بما بقي من الدين بعد إسقاط ما ذكرنا من الزيادة، فإن لم يفده السيد وإلا أسلمه. وقال المرتهن: أفده. ففداه فذلك دين على الراهن، ولا يكون العبد به رهنًا حتى يقول: وهو به رهن، فإن فداه بغير أمره ثم مات العبد، لم يلزم السيد شيء من ذلك إلا الدين القديم. فرع: قال سحنون: إن غصب عبدًا وعند الغاصب جارية، ودفعه لربه، فجنى العبد عند الغاصب، فقتل رجلاً خطأ ووطئ الجارية؛ فلسيده تضمينه للغاصب فارغًا بغير جناية، ويخير فيه الغاصب. فرع: قال: قال سحنون في الأمة المشتركة يطأها احدهما فتحمل ولا مال له، فتجني: فنصف الواطئ بحساب أم الولد، والآخر يفدي أو يسلم؛ فإن فدي فله نصف قيمتها على الواطئ، أو أسلم فذلك للمجني عليه ويباع له فيه؛ إلا أن يفتدي السيد أو يسلم المجني عليه ولا يتبع الواطئ بشيء إلا أن للشريك أتباع الواطئ بنصف قيمة الولد، ويعتق على الواطئ نصفه، ويتبع المجني عليه ذلك النصف بالأقل من نصف قيمة الجناية أو نصف قيمة الرقبة. فرع: قال: قال ابن القاسم: إن وهبت حاملاً أو وهب حملا لآخر فجنت، خير من له الأم، فإن أسلمها فهي وحملها فهي للمجروح، أو فداها فحملها لمن وهبت له، وإن تأخر انتظر حتى وضعت فالولد لصاحبه، ولا تحلفه الجناية، ويخير صاحب الأم ؛ فإن أسلمها صحب الرقبة حاملاً فقال صاحب الولد: أنا افتكها فذلك له. فرع: في الجواهر: لا ضمان على الطبيب، والحجام، والبيطار؛ إن مات حيوان مما صنع به إن لم يخالفوا، قاله ابن القاسم. قال مالك: وإن ضرب معلم الكتاب، أو الصنعة، صبيًا ما يعلم أنه من الأدب فمات؛ لم يضمن وإن ضربه بغير الأدب تعديًا، أو تجاوز الأدب، ضمن ما أصابه، وكذلك الطبيب إن لم يكن له علم، ودخل جرأة، ويتقدم إليهم في قطع العروق ونحوها أن يقدم أحد على مثل هذا إلا أن يأذن الإمام، وينهوا عن الأشياء المخوفة التي يتقي فيها الهلاك إلا بإذن الإمام، وأما العروق بالعلاج فلا شيء عليه. وما أتى على يد الطبيب مما لم يقصده؛ فيه روايتان: يضمن؛ لأنه قتل خطأ، ولا يضمن؛ لأنه تولد عن فعل مباح كالإمام، وقال محمد بن حارث: إن فعل الجائز فتولد عنه هلاك أو فساد فلا ضمان، أو أراد فعل الجائز ففعل غيره خطأ، أو جاوزه، أو قصر عن الجائز فترتب عليه هلاك كذلك ضمن، وما خرج عن هذا الأصل فهو مردود إليه. قال عيسى: من غر من نفسه لم يضمن، ودية ذلك على قاتله كالخطأ (قال مالك: إن سقاه طبيب فمات، وسقي قبله أمة فماتت، لا يضمن، ولو ضمن لكان حسنًا، ويقال) لهم: أي طبيب طب أو بط فمات ضمن. قال مالك: إن أمر بقطع شفة أو يد قصاصًا فقطع غير ذلك أو زاد في القصاص؛ فهو خطأ على عاقلته،إلا دون الثلث فففي ماله؛ عمل ذلك بأجر أو بغير أجر، وإن أمره عبد أن يحجمه، أو يقطع عرقه ففعل، ضمن ما أصاب العبد من ذلك إن لم يأمره سيده؛ علم أنه عبد أم لا، وإن حفر في ملكه أو أذن له في الحفر لمنفعته، كقناة داره فأسقط جدار داره؛ ضمنه، وإن أوقد نارًا على سطحه في يوم ريح عاصف، ضمن ما أتلفته مما كان يغلب على الظن عند وقودها وصولها إليه، وإن عصفت الريح يعد الوقود بغتة فلا ضمان لعدم التفريط. وإن سقط ميزابه فقتل؛ فلا ضمان. وإن كان جداره مائلاً؛ لأنه بناه مائلاً فهو ضامن، أو مال بعد ذلك ولم يتداركه مع الإمكان والإنذار والإشهاد؛ وجب الضمان، وإن لم ينذر ففي الضمان خلاف، وإن رش الطريق لتزلق فيها دابة؛ ضمن ما عطب، أو تبرد أو نحوه ولم يرد إلا خيرًا لم يضمن، وفي النوادر فعل الدابة والمجنون المطبق والصبي ابن سنة ونحوها هدر في الأموال، وتحمل عواقلهما في القتل الثلث فأكثر، ومأذون الثلث يتبعان به في المال والذمة. قال ابن القاسم: ويقاد في السكران بخلاف المجنون؛ لأن المعاصي لا تكون أسباب المسامحات. وعن مالك: إن ضرب عبده فعجز عنه، فأمر غيره بضربه فمات، لم يضمن ويكفر، وإن عدق في وطء بكر وعلم أن موتها بعد قرب من ذلك، فعليه الدية، ويخير أهلها ويكفر. قال عبد الملك: إن كان فيها محمل للوطء فلا شيء عليه، وإلا ضمن كالحجام وغيره لأنه خطأ. قال سحنون: إنما يخيرهم على قول من يرى أن لا ضمان بالخطأ في ماله. قال أشهب: حافر المرحاض إن أضر بالطريق ضمن وإلا فلا؛ لقوله عليه السلام: (البئر جبار) وإن حفر بئر ماشية لرجل بغير إذنه فعطب بها رجل، لم يضمن؛ لأنه يجوز له حفرها، وإن حفر بئرًا في داره لمصلحته لم يضمن ما عطب فيها، أو ليقع فيها سارق. قال ابن القاسم: ضمن السارق وغيره، أو ليقع فيها سبع؛ لم يضمن السارق ولا غيره؛ لأن له فعل ذلك شرعًا، وكذلك إن ربط كلبًا ليعقر إنسانًا، أو ليصيد. قال ابن القاسم: إن حفر في دار رجل بغير إذنه ضمن الحافر؛ لأنه متعد في الدار، إلا أن يعلم صاحبها فيخير أو يكون بينه وبينه صداقة فهو كالإذن. قاعدة: أسباب الضمان ثلاثة: الإفساد بغير إذن؛ كإحراق الثوب، أو التسبب كوقد النار بقرب الزرع، أو وضع اليد غير مؤمنة؛ كالغاصب، وقبض المبيع بيعًا فاسدًا. تنبيه: ضمان جنايات العبد على خلاف القواعد، غير أن السنة أتت بها؛ لأن العبد قد يقصد الفساد فتؤخذ رقبته فيقع الإضرار بالسيد، وهو لم يجز ولا يتألم العبد وقد جني، والقواعد: لا يعاقب غير الجاني. قاعدة: العمد والخطأ في أموال الناس سواء إجماعًا ممن هو مكلف أو فيه أهلية التكليف كالتمييز، بخلاف الرضع؛ فإنه كالبهيمة. قاعدة: إذن المالك المأذون له شرعًا أن يأذن مسقط للضمان، ولذلك لا يضمن المودع ولا المستعير فيما يغاب عليه، ولا يضمن المودع إذا حول الوديعة من زاوية بيته (إلى زاوية بيت آخر، والإذن الشرعي إذا عري عن أذن رب المال لا يسقط الضمان، ولذلك فإن الإنسان أذن له الشرع في التصرف في بيته) ولو شال شيئا فسقط على الوديعة ضمنها؛ لانفراد الإذن الشرعي، لأن ربها لم يأذن له في ذلك، وكذلك فاتح بابه فكسر حلقة قلة زيته يضمن؛ لانفراد الإذن الشرعي، والصائد أذن له في الصيد، فإن أفسد به ضمن، لانفراد الإذن الشرعي، (والمضطر أذن له في الصيد فإن أفسد به ضمن لانفراد الإذن الشرعي، والمضطر أذن له الشرع في أكله طعامًا ويضمنه لانفراد الإذن الشرعي) فيتخلص أنه إن اجتمع الإذنان فلا ضمان، كالمودع، أو انتفيًا، ضمن كالغصب، أو أذن المالك فقط ضمن، فهي أربعة أقسام يضمن في واحد، ويظهر أن الإذنين كل واحد منهما أعم من الآخر وأخص من وجه، ويجتمعان، وينفرد كل واحدة بنفسه، وهو ضابط الأعم والأخص من وجه. قاعدة: الجوابر، والزواجر من قواعد الشرع، وقد توجد الزواجر بلا جبر كالحدود، والجوابر بلا زجر؛ كتضمين الصبي والمجنون، وقد يجتمعان نحو: كفارة الظهار، وتضمين الغاصب، وجزاء الصيد في قتله متعمدًا، وغاصب المرأة، ونحوه، وسيأتي بسط هذه القاعدة في الدماء إن شاء تعالى؛ فعلى هذه القواعد تتخرج فروع الجنايات في الضمان، فتأملها واستعملها في مواردها تحكم الضمان بفضل الله تعالى. فرع: في النوادر: قال مالك: إن اصطدمت سفينتان فغرقت إحداهما بما فيها فهدر؛ لأن الريح تغلبهم، إلا أن يعلم قدرتهم على صرفها. قال ابن القاسم: ولو قدروا مع هلاكهم ضمنت عواقلهم النفوس والمال في مالهم؛ لأنهم وفروا نفوسهم، فإن لم يروهم لظلمه الليل ولو رأوهم لم يقدروا عليها، لم يضمنوا، وإن اصطدم فارسان فهلكا وفرساهما؛ فعلى عاقلة كل واحد دية الآخر وقيمة فرسه في ماله؛ لأن الفارس متمكن من فرسه بخلاف أهل السفينة، وقيل: على كل واحد نصف دية الآخر لإشراكه في نفسه. قال: ولو لزم هذا إذا عاش أحدهما لم يلزم عاقلته إلا نصف دية الآخر، ولكان الذي يهوي في البئر قاتلاً لنفسه مع حافرها، ولكان الواطىء على الحسك وقد نصبها رجل فيما لا يملك قاتل لنفسه مع ناصبها، وبالمشهور قال علي وغيره رضي الله عنهم، وإن اصطدم حر وعبد فماتًا فقيمة العبد في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد، ويتقاصان؛ فإن زاد ثمن العبد على الدية، فلسيده الزيادة في مال الحر، أو دية الحر أكثر؛ لم يلزم السيد شيء إلا أن يكون للعبد مال فالفضل فيه. وقال أصبغ: قيمة العبد في مال الحر؛ يؤتي السيد ويقال له: افتك قيمته بدية الحر، أو أسلمها، فإن أسلمه فليس لولاة الحر غيرها، وإن فداها فبجميع الدية؛ لأنها قاعدة الجنايات. وإن اصطدم رجلان أو راكبان، فوطئ أحدهما على صبي فقطع إصبعه، ضمناه؛ لأن لكل واحد منهما أثرًا فيه بالاصطدام. قال أشهب: حافروا البئر تنهار على أحدهم، تضمن عاقلة الباقي ديته، والنصف الآخر هدر؛ لأن للمقتول شركًا في قتل نفسه، ولا تعقل العاقلة قاتل نفسه، وإن ماتوا فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الآخر لشركة كل واحد في قتل نفسه. قال مالك: إن ارتقى في البئر فأدركه آخر في أثره، فخرا فهلك؛ فعلى عاقلة الأسفل الدية؛ لأنه المباشر بفعله. قال مالك: ربطت مركب في صخرة،وربط بها أخرى، وربط ثالث بأحدهما، فجره الثالث حتى كادوا يغرقون، فرجوا الثالث خوف الغرق فهلك بما فيه، لا شيء عليهما لخوفهم الهلاك. قال ابن القاسم: إن طلبت غريقًا فخشيت الموت فأفلته (لا شيء عليك، وإن علمته العوم فخفت الموت عليك فأفلته) ضمنت ديته؛ لأنك أنشبته، وعنه: لا ضمان كالغريق، فإن تردي في بئر فطلبك تدلي له حبلاً فرفعته، فلما أعجزك خليته فمات، ضمنته، قاله مالك. وقال: إن أمسكت لرجل حبلاً يتعلق به في البئر، فانقطع، فلا شيء عليك لعدم صنعك، أو انفلت من يدك ضمنت. فرع: قال: إن سقط من دابته على رجل فمات؛ فديته على عاقلة الساقط، وإن سقط على غلام فانشج الأسفل وانكسر الأعلى، ضمن الأعلى شجة الأسفل، والأعلى هدر. وإن دفع رجلاً فوقع على آخر فعلى الدافع العقل دون المدفوع؛ لأنه آلة، وإن دفعه فطرحه فوقعت يده تحت ساطور جزار، فقيل: على عاقلة الجزار؛ لأنه (المباشر، وقيل: على عاقلة الطارح لأنه) القاصد. قال مالك: وإن قاد بصير أعمي فوقع البصير في البئر ووقع عليه الأعمى، فمات البصير، فديته على عاقلة الأعمى، وقضى به عمر رضي الله عنه.
|